السؤال:
لماذا لم يجمع الصحابة السنة في كتاب واحد كما جمع القرآن الكريم؟
الجواب:
حفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى جمعت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها كاملة في العهد النبوي شاقًّا جدا، لأنها تشمل جميع أقول النبي ﷺ وأفعاله وأحواله وغير ذلك.
والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، فكانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببا لرد من بعدهم ما فاتهم منها. وقد سبق لأبي بكر تحریقه ما كان جمعه منها: «أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال لو كان قاله رسول الله ﷺ ماخفي على أبي بكر». وخشوا أيضا من جمعها في الكتب قبل احتكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدعوا القرآن، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية ويكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به. وتوقفهم عن جمع الأحاديث لما تقدم من الأسباب لا يعني عدم العناية بالأحادیث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم وانقيادهم لها وبحثهم عنها ما تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالی بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قبلهم غير ما وضح لهم أنه مصاحة محضة، ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على تلقي العلم وحفظه والعمل به.
فمن فوائد عدم جمعها في عصرهم:
- أولاً. من طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما أتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ السنَّة وحياطتها = بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في ذلك عظيم جدا، إذ هي عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى: ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون “.
- ثانياً. تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بين المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
- ثالثاً. الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب۔
الكاتب: مريم بن خليل