العائدون إلى الإيمان

قصة إلحاد شخص ثم عودته إلى الإيمان (١)

  • مرحلة بداية الإلحاد:

 كنت أهيم على وجهي في بحر من الشكوك والشبهات التي غذتها الكتب الإلحادية وحوارات الملحدين في الغرب بالذات مع الدين النصراني مع إنتشاره هناك. وانهالت الدعوات لترك الدين والإتجاه لتقديس العلم. سرعان مابدأت أبهر بتلك اللغة المزخرفة والأصوات المنمقة والصارخة بتقديس العقل وبنشر النظرة المادية البحتة.

وبسبب هذه الأفكار الإلحادية بدأت انعزل شيئًا فشيئًا عن المجتمع ككل، فلا أجالس أهلي مطلقًا واقضي معظم وقتي إن لم يكن جله لوحدي خارج المنزل. لم يكن لي أصحاب إلا ملاحدة تعرفت عليهم عن طريق تجمعات إلحادية، وكنت على اتصال دائم مع بعض هؤلاء الملاحدة ونناقش تلك الشبهات والكتب الإلحادية.

  • التخطيط للسفر:

مع مرور الزمن بدأت أشعر بالخطر وبالرغبة في  احداث تغيير جذري في مجتمعي، وهنا قررت السفر إلى ألمانيا.

كان علي أن  أكتم رغبتي بالسفر عن أهلي وعن كل من يحيط بي بل حتى عن هؤلاء الأصحاب فلا أضمن حقيقتهم فلربما كان أحدهم متلبسًا بشخصية إلحادية كاذبة.

قمت بتجديد جوازي والحصول على فيزا سياحية وحجز موعد طيران، كل ذلك تم دون أن يكون لأهلي أدنى معرفة بالأمر!! بل حتى ساعة السفر كانت في وقت متأخر من الليل -وأنا عادة ماكنت أتأخر- فأخذت سيارتي إلى مكان قريب من الحارة التي أسكن بها، وترجلت منها وركبت مع سيارة الأجرة متجهًا إلى المطار.

بعد وصولي إلى ألمانيا اسكنوني في ملجأ مؤقت في المطار وتم مصادرة متعلقاتي بما فيها هاتفي الجوال مؤقتًا، فلم يعلم أهلي أين اختفيت لمدة ١١ يوم تقريبًا -علمت لاحقًا أن ابي  ادرك أنني سافرت إلى ألمانيا بعد ان راجع عدة جهات-.

  • الحياة في ألمانيا:

كنت أتنقل من ملجأ إلى آخر من مدينة إلى أخرى، ونتيجة لإبلاغي السلطات بأنه لدي حساب بنكي فيه مبلغ كذا وكذا، لم يصدقوا اني قمت بصرف المبلغ كامل، فلم يكن لي الحق كباقي اللاجئين في راتب شهري! كانت الملاجئ الأولى توفر غذاء مجاني فلم يكن بالنسبة لي عدم وجود راتب مشكلة كبيرة في تلك الملاجئ فغيري من اللاجئين يحصلون على مبلغ شهري ٦٠ يورو تقريبًا.. لكن مع اختلاف حالة اللجوء تغير النظام بالنسبة لي فأصبح غيري من اللاجئين يحصلون على راتب ٣٢٠ يورو ومقابل هذه الزيادة لا يكون هناك أي طعام يقدم في ملاجئهم!! أنا بحكم عدم حصولي على أي راتب -باعتبار انهم يظنون انه عندي مال أتيت به-، أصبحت أعاني جوع وتمر الأيام بدون شيء أتغذى عليه.

كانت هناك منظمة إلحادية ترسل الي مبلغ ١٠٠ يورو شهريا تقريبًا وبالكاد يكفي أبسط احتياجاتي فضلًا عن الطعام. اصبت بالإحباط والاكتئاب خصوصًا وأنهم قد نقلوني لمنطقة نائية في غابة لا يوجد شيء حولنا إلا سكان منطقة عسكرية ألمانية، كانت أقرب محافظة كبيرة إلى حد ما لنا هي فيتنبرغ وكان هناك باص يمكن ان يأخذنا اليه على مدة ساعة ونصف تقريبًا إن لم تخني الذاكرة!!

كانت هناك بحيرة صغيرة قريبة من ذلك الملجأ (تبعد عشر دقائق تقريبًا داخل الغابة) فكنت اذهب هناك واختلي بنفسي .

مع شدة الرغبة لدي بالانتحار وقتها، لم يكن لدي أي  مانع من أن أجرب أكثر أنواع المخدرات في العالم خطورةً وفعلا جربت عدد منها، منها مايكفي لقتلك أن تجربها مرة واحدة!! وجربتها عدة مرات نجوت فيها كل مرة!

انتقلت إلى ملجأ اخر ويستمر الجوع والاكتئاب الشديدين!! وهناك وإن كنت في قرية كبيرة إلا أنه لازلت أعاني الجوع والفقر والوحدة والمرض.

اشتد بي المرض وأدخلت المستشفى النفسي أكثر من ثلاث مرات ويتم تنويمي لأسبوع أو اكثر كل مرة بالإضافة لأنه كان عندي انهيارات عصبية غير آثار المخدرات، حقاً حياة بائسة!!

لعلي هنا أتوقف واذكر آية {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

هنا بدأت لا أشعر بقيمة لأهدافي ولا لما أتيت لأجله، ولا يمكنني العودة ، وقد كان بيني وبين مساعدة ريتشارد دوكنز الشخصية تواصل، وأيضاً عدد من المنظمات الإلحادية التي أظهرت تعاطفها ودعمها.

 لم يكن لدي أي هم إلا الإنتحار، قرأت عن طرق للانتحار ، قمت بأخذ أدوية بكميات قاتلة، كأن آخذ ٣٠ حبة أو ماشابه وابتلاعها دفعة واحدة، وفعلا كنت أشعر بالغثيان وغيره من الأعراض التي تفيد تسممي.

قمت بتقطيع رسغي وساعداي مستهدفًا العروق القاتلة ولازالت آثارها في يدي إلى الآن ولعلي أصورها لك.

وقفت على شرفة النوافذ وأنا في حالة سُكر، وحتى وأنا في حالة صحو كنت أفعل ذلك لكنني أتردد هناك، ماذا لو سقطت فلم أمت ولكن اصبح عندي شلل أو آلام اكثر؟

على الرغم من أنني كنت موعودًا بحياة رغيدة في مدينة كبيرة، حيث تكفلت احدى المنظمات بمحامي شخصي لي ، ويريدون أن يتكفلوا بالسكن بعد أن تنتهي إجراءات اللجوء ويريدون ان ينقلوني لهذه المدينة الكبيرة المهمة وهي المدينة الإعلامية في ألمانيا (كولن) ويريدون أن يعتنوا بي، إلا أنني كنت أقول لنفسي : ما فائدة البقاء على قيد الحياة وأنا أعلم أنني في لحظة لا أعلمها سأموت؟! اتستحق هذه الحياة الصبر على آلامها من أجل سعادة فانية معرضة للفقد في أي لحظة؟!

أتوقف هنا لذكر آية {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

كنت اهرب من سماع القرآن ، حتى عندما كان من يحاورني يريد أن يناقشني بآيات من القرآن كنت اطلب منه أن يقول لي معنى تلك الآيات ولا يعطيني الآيات نفسها!! كنت لا أريد سماع القرآن  أو قراءته !

هناك شيء كان يخيفني من الانتحار! ماذا لو كان هناك جنة ونار!! فعدت لأمعن النظر، فالملحد إنما يلحد إذا لم يأخذ الموت بعين الاعتبار!

وهنا لأول مرة منذ سنوات قررت أن افتح القرآن على تردد شديد …

فتحت أوائل سورة البقرة ، فلم أتوقف عن البكاء، والصوت وصل إلى أحدهم في آخر الملجأ ، فسألني لاحقًا ما أبكاك؟!!

صوتي كان مرتفعاً جدًا، حاولت الذهاب إلى غرفة لتعليم لغة ألمانية في الملجأ معطلة عن العمل بسبب قلة اللاجئين، ثم بدأت أستمع للقرآن، وأشعر بقلبي كأنه يريد ان يخرج من صدري، خفقان شديد جدًا

القرآن هز كياني … وهنا نطقت بالشهادتين !

 

الحمدلله.

 

في الصور المرفقة  آثار محاولات الإنتحار ولكن كلها باءت بالفشل، وسبحان من غيرني من حال الشقاء إلى السعادة والحمدلله أولاً وآخراً

   

 

‫4 تعليقات

  1. تلاحظ في اغلب التجارب مع الإلحاد انها كانت ظلام وضياع وشيء أقرب للجنون..
    الحمد لله الحمد لله الحمد لله ،، نسأل الله الثبات لنا ولك ولجميع المسلمين والمسلمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى