هل الدين الإسلامي معارض للعقل؟
ظهرت هذ الشبهة في محاضن الفكر الغربي؛ بسبب طبيعة العقائد الكنسية التي تشتمل على مكونات كثيرة متناقضة مع ضرورة العقل ومبادئة الفطرية السليمة، كعقيدة التثليث و العشاء الكنسي.
ثم جرى تعميمها على كل الأديان ثم تلقفها عنهم المعترضون على الأديان في الفكر العربي المعاصر!
وفساد هذه الشبهة نلخصه بما يلي:
▪️١- الاعتراض فيه خلط بين نماذج مختلفة غير متفقة و هي الأديان التي تختلف في الشرائع و الأحكام.
▪️٢- التوسع الحكمي عند التيار الإلحادي حيث أن نقدهم للأديان امتد ليكون دليلا على إنكار وجود الله.
▪️٣- التناقض المنهجي؛ و ذلك أن من ينكر الضرورة العقلية ويؤمن بنسبية الحقيقة وتعذر الجمع بين المبادئ العقلية الضرورية و النظريات العلمية الحديثة –كفيزياء الكم – ؛ هذا كيف يحق له الإنكار على الأديان بحجة مناقضتها للعقل؟
▪️٤- الخلط بين الاستحالة العقلية و الاستبعاد العقلي، فالاستحالة العقلية ما لا يمكن تحققه في الواقع و الاستبعاد العقلي ما يصعب تصور وقوعه مع إمكان وقوعه، فالإسلام جاء ببعض محارات العقول لكنه لم يجئ بمحالاتها مثل معجزات الأنبياء، ومن الأمثلة في ذلك حادثة الإسراء والمعراج وانشقاق القمر، فقد ادعى المعترضون أنها مخالفة للعقل. و يجاب على هذا بأمور :
أ- هذا الاعتراض مبني على خلط بين قدرة الإنسان وقدرة الله ، فقدرة الخالق سبحانه على إيجاد الكون العظيم الذي هو أعظم من الاسراء و المعراج وانشقاق القمر؛ توجب الإيمان بإمكان هذه الحادثة.
ب- مع التسليم بكون حادثة الإسراء و المعراج أمر خارق للعادة إلا أنه يبقى في دائرة الممكن عقلا.
ت- أما حادثة انشقاق القمر فزادوا في الاعتراض السابق عليها أنها عرض كوني لم يذكر في كتب التاريخ ،مع كونه عظيم وعام، فيجاب بما مختصره :
–وقوع الانشقاق بالليل يعني أن نصف الأرض لم يشاهدوه لأنه سيكون عندهم نهار ووقوع الانشقاق كان في مدة قصيرة.
-مطالع القمر تختلف من بقعة لبقعة من الأرض مع احتمال وجود موانع تمنع من رؤية القمر كوجود الناس في بيوتهم أو وجود السحاب أو الغبار أو حتى عدم اكتراث الناس لظنهم أنه كسوف.
-لا يمتنع من قدرة الله تعالى إطلاع من يشاء من عباده على هذه الحادثة دون آخرين فله سبحانة القدرة والحكمة التامة الشاملة.
▪️٥-الانحراف في الفهم ، فالمعترضون على الإسلام بدعوى مناقضته للعقل لم يكن فهمهم للشواهد التي اعتمدوا عليها صحيحا ومن أمثلة في ذلك :
قضية النزول الإلهي فقد اعترض الناقدون للأديان – مع بعض أهل الإسلام ممن استشكلوا هذه القضية – أن الإيمان بنزول الله سبحانه في كل ليلة في الثلث الأخير للسماء الدنيا مع إثبات استوائه على العرش لا يمكن تصوره عقلا؛ لاستلزامه وجود الذات الإلهية في مكانين ، و أن عدم خلو الأرض من ثلث الليل يقتضي كونه نازلا أبدا ، فكيف يكون مستويا على عرشه ونازلا في نفس الوقت وهذا مناقض للعقل فيجاب عنه بأمرين:
▪️أ- هذا اعتراض ناشئ عن غفلة عن العظمة الإلهية ،إذ سبحانه و تعالى لا حدود لعظمته وجلاله فسبحانه محيط بكل شيء ، والمخلوقات كلها لا تساوي مع عظمته وجلاله شيئا فكل الاماكن المخلوقة لا تساوي مع عظمته شيئا و تعددها واتحادها سواء بالنسبة للعظمة الإلهية وينتج عن هذا كله أن وجود الله بذاته في مكانين مخلوقين لا يلزم منه الجمع بين النقيضين لضآلة كل الأماكن المخلقوة في مقابل ذاته العلية ، ولتصور ذلك في ما نشاهد فيمكن أن يكون جبل عظيم يمتد بين بلدين أو أكثر فيكون وجوده في المكانين غير متناقض لضخامته، وهذا جار على كل شؤونه سبحانه .
▪️ب- هذا الاعتراض فيه خلط بين طبيعة النزول الإلهي و طبيعة نزول المخلوقات، حيث جعل فيه لوازم للنزول الالهي مترتبة على لوازم نزول المخلوقات ، كخلو المكان العالي و الكينونة في المكان السفلي واستغراق وقت محدد للصعود و النزول والحركة و الانتقال وغيرها من اللوازم، وهذا القياس فاسد لمباينة حقيقة المخلوقات لحقيقة الباري سبحانه، فمن الخطأ المنهجي أن تحاكم صفات المخلوقات إلى صفات الباري سبحانه، التي لا نعلم حقيقتها ولا كيفيتها ولا نحيط علما بكماله وجلاله ، ويمكن تصور ذلك بمثال الشمس في المخلوقات فهي جسم واحد يتحرك حركة واحدة متناسبة لا تختلف و مع ذلك تكون طالعة عند قوم غاربة عند آخرين قريبة بلد بعيدة عن آخر مع تبدل الحرارة والفصول في هذه البلاد في نفس الوقت ، فكيف يمتنع على الخالق سبحانه في علاه أن يكون نزوله إلى عباده في ثلثهم الآخر مع اختلافه بالنسبة لهم.