غير مصنف

الأدلَّة العقليَّة على حدوث الكون

? أمّا بالنسبة للأدلة العقلية على حدوث الكون :

فنقول: هناك عدد من الأدلة العقلية على حدوث الكون، فصل في شرحها العلماء، وسنتناول منها دليلين :

1️⃣الدليل  الأول: الانطلاق من إدراك وجود أجزاء حادثة في الكون، وانعدام أجزاء أخرى فيه، إلى إدراك حدوث الكون كله, وذلك بعدد من الاعتبارات وأوجه الاستدلال منها:

١- قياس الغائب على الشاهد.
فالعقل الإنساني لديه علم ضروري بحدوث وانعدام ما شاهد في الكون؛ فنحن نشاهد نجوم تخبو وأخرى تنشأ، وإنسان يولد وآخر يموت، وطاقة تُفقد وحرارة تتولد وغيرذلك، ولديه جهل بأجزاء أخرى لم يشاهدها، مع عدم وجود دليل عند المُدعي بقدمه يثبت تخلفها عما نعلمه وقدمها, فصح هنا أن يقيس الجزء المجهول بالمعلوم عنده فيتيقن من حدوث الكون كله، وهذا قياس صحيح معتبر، لأن هذه الشواهد الحادثة جزء من الكون وما يسري على الجزء يسري على الكل، فُعلم من هذه الحوادث المشاهدة بذلك حدوث الكون كله.

٢-  استحالة أزلية الكون مع وجود معدومات في أجزاءه.
فما يحل على بعض أجزاء الكون من العدم، يُثبت حدوث الكون واستحالة أزليته، لأنه لو كان الكون أزليا، لما جاز على أي جزء من أجزاءه العدم، لأن الأزلي واجب الوجود وهو الذي يستحيل في حقه العدم، ومعلوم ومشاهد بالضرورة والحس أن هناك أجزاء من الكون يطرأ عليها العدم، مما يؤكد أن الكون ممكن الوجود وليس بواجب الوجود، أي حادث.

✍?وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه اللهمن المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »

?بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية

٣-  استحالة أزلية الكون مع وجود حوادث فيه.
ذلك لأن سبب وجود الكون لا يخلو من أن يكون أحد أمرين :
• إما أن يكون علة أزلية تامة؛ وهذا يقتضي أن يكون الكون كله أزليا، لأن العلة الأزلية التامة لا تنفك عن معلولها ولوازمه وأجزاءه في القدم، كعدم انفكاك حركة الخاتم عن حركة الإصبع.

وإما أن يكون فعلا من مريد مختار فعله عن قصد؛ وهذا يستلزم أن يكون الكون حادثا.

وهذا هو الحق لا غير؛ لأن وجود حوادث في الكون مشاهد بالحس ولاسبيل لإنكاره أو القول بأزليته؛ فعُلم بذلك استحالة صدور الكون عن علة أزلية تامة ممايعني استحالة أن يكون الكون أزليا، وأنه لابد أن يكون حادثا أوجده فاعل مختار عن إرادة وقصد .

——————————

2️⃣ الدليل الثاني :
أنه لو كان الكون أزليا لما قبل أي زيادة ولما قبل الإحصاء والعدد، وهذا غير واقع، فُعلم ضرورة إستحالة أن يكون الكون أزليا وأنه حادث.

وتفصيل ذلك :

▪️ أن الكون لو كان أزليا لكانت اللانهائية صفة لازمة فيه، واللانهائية لايمكن الزيادة عليها أو احصائها أو نقصانها، حتى في علم الرياضيات إذا حاولنا إضافة أي رقم على ما لا نهاية، لايمكن هذا ويعطينا ما لا نهاية ولن يعطينا عددا.

وفي المقابل نحن نرى الزمن يزيد يوما بعد يوم، والموجودات في الكون لها أعمار تزيد يوما بعد يوم، مما يثبت أن الكون ليس أزليا بل له بداية، وإلا لما حصلت له زيادة.

▪️ كذلك لأن الأزلية تعني أنه لا أول له، وما ليس له أول لا يمكن إحصاءه، لأن الإحصاء والحساب لابد أن يبدأ بالرقم واحد، ونحن نتمكن من إحصاء كل موجودات الكون، ووصل لنا عددها وإحصاءها وتاريخها، ممايدل بالضرورة على أن له أولا أي حادث وليس أزليا.

? وفي هذا يقول ابن حزم رحمه الله، في “الأصول والفروع” :

« لا سبيل إلى وجود ثان إلا بعد أول ولا إلى وجود ثالث إلا بعد ثان ولا رابع إلا بعد ثالث وهكذا أبدا، فلو لم يكن لأجزاء العالم أول لم يكن ثان، ولو لم يكن ثان لم يكن ثالث ، ولو لم يكن شيء من هذا ، لم يكن عدد ولا معدود، وفي وجودنا جميع الأشياء معدودة، -وهذا- موجب أنها ثالث بعد ثان وثان بعد أول، و-موجب- وجود أول ضرورة »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى