عرض ونقد

شبهة: الاكتفاء بالقرآن عن السنة!

منكرو السنة يقولون : إن هذه السنة ليست من الدين ولا المسلمون محتاجون إليها، وتسألهم : ما وجه استغناء المسلمين عنها ؟ وما دليلكم على أن القرآن وحده يغني المسلمين عن السنة ؟

أسمعوك بسرعة قول الله عز وجل :

{ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام :٣٨] 

ثم قوله تعالى مع شدة الحرص والتركيز عليه :

{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} [العنكبوت: ٥١] 

وليس بعد هاتين الآيتين من دليل.


  • تفنيد الشبهة ونقضها:

نقض الشبهة يقوم على محورين:

الأول: بيان خطأ الاستدلال بالآيتين على ما أرادوه منهما.

الثاني :الواقع العملي في حياة المسلمين على مر العصور ،وتطاول الدهور .

إن الاستدلال بالآية الأولى خطأ، لأن المراد بالكتاب فيها هو اللوح المحفوظ، فهو الكتاب الذي أحصى الله فيه ما كان وما هو كائن ،وما سيكون أبد الآبدين .

وحتى لوكان المراد من الكتاب فيها القرآن فلا دليل لهم في الآية على أن القرآن يغني عن السنة ،لأن القرآن لم يفصل إلا قليلا من الأحكام ويكون معنى احتوائه على كل شئ:

الدلالات (الكلية) على أصول التشريع ، لا أنه فصل جميع الأحكام في كل مجالات الحياة تفصيلا شاملا لكل ما يقع للناس في الحياة .

أما خطأهم في الاستدلال بالآية الثانية {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهمفبيانه يتوقف على ذكر الآية التي قبل هذه الآية، وهي قوله عز وجل : {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين} [العنكبوت: ٥٠]

القران يحكي –هنا- قول المشركين ،الذين يتساءلون في ما بينهم ويقولون لو أن الله أنزل على محمد آيات من عنده.

قالوا هذا الكلام، وكان قد نزل قدر عظيم من القرآن سورا وآيات، وأسمعهم النبي هذا القرآن وكرره على مسامعهم مرات ، وراعهم بيانه وأعجزتهم بلاغته وهم قد وصفوه بالساحر في شدة تأثيره على القلوب و العقول و المشاعر . ووصفوه بالشعر ، وللشعر في دولتهم دولة ، وفي حياتهم حياة وهو صناعتهم التي عرفوا بها ، ولم تكن لهم صناعة غيرها لقد جردوا القرآن من دلالاته الإعجازية وهم بها مقرون واعتبروه كأن لم يكن، واعتبروا محمدا صلى الله عليه وسلم ،رسولا أو مدعي رسالة بلا معجزات؟!

فأنزل الله عز وجل قوله المفحم الحكيم :

{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}

المحور الثاني : وهو الواقع العملي للأمة بالقرآن والسنة معا منذ صدر الإسلام حتى يوم الناس هذا .

الاكتفاء بالقرآن مستحيل :

القرآن لم يشتمل على كل كبيرة وصغيرة ممايحتاج إليه المسلمون في حياتهم. بل إن السنة _ رغم مافيها من كثرة التفاصيل _ لم تشتمل على كل صغيرة وكبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم .

لذلك هدى الله الأمة من صدر الإسلام الأول ، والقرون التي جاء بعده  لوسائل أخرى مستمدة من الكتاب والسنة وهي:

القياس ،الاجماع ،ثم الاستحسان الشرعي ، وسد الذرائع وغيرها .

فالحياة واسعة والمستجدات فيها لم ولن تتوقف ، فكان لابد من أن يملك التشريع الإسلامي أدوات فرعية مستمدة من أصل التشريع الأول والثاني (الكتاب والسنة) لملاحقة الوقائع والأحداث المستجدة.

لولا السنة لتعطلت أربعة أركان الإسلام العملية ، وهي الصلاة والزكاة ، والصيام ، والحج .

  • فليس في القرآن من أحكام الصلاة سوى تقرير وجوبها وحسن أدائها .
  • وليس في القرآن عن الزكاة إلا الأمر بأدائها وبيان الجهات الثماني التي تستفيد منها.
  • ليس في القرآن عن الصيام إلا بعض من أحكامه بعد بيان وجوبه على المكلفين .
  • وليس في القرآن عن الحج إلا طائفة من أحكامه .

أما أركان الصلاة وواجباتها وسننها وشروطها وعدد ركعاتها ،وإفراد الركوع وتثنية السجود وكيفية كل منها  الخ ، فهذا لا وجود له في القرآن وطريق معرفته السنة. وهذا يقال عن كل من الزكاة والصيام والحج ، فكيف تكتفي الأمة بالقرآن عن السنة ،والسنة روح القرآن ومفاتيح فهمه والعمل به.

ونسأل منكري السنة : أين نجد صيغة الآذان في القرآن ؟ وأين نجد زكاة عيد الفطر في القرآن؟

إن الآف الأحكام في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق لا وجود لها تفصيلا في كتاب الله ، وإن دل عليها (جملة) فكيف يمكن الاستغناء بالكتاب عن السنة؟

  • دفع مرفوض

لمنكري السنة دفع لهذا الاعتراض (أن أربعة أركان الإسلام العملية سوف تتعطل) فهم يقولون:

هذه الأركان العملية يكفينا فيها محاكاة النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أدائها

فالصلاة مثلا فيها هذا الأمر بمحاكاة تأدية رسول الله لها : ((صلوا كما رأيتموني أصلي )) والحج قال فيه ((خذوا عني مناسككم)) والجيل الذي عاصر الرسول حاكى الرسول كما رآه يصلي ويحج ونقل هذه المحاكاة إلى الجيل الذي بعده ،وهكذا دواليك حتى وصلت إلينا؟

ويضيفون :أن كلامنا في السنن القولية ،وليس في السنن العملية .

  • تفنيد هذا الدفع ونقضه :

هذا الدفع مرفوض ،لأن للسنن العملية سننا قولية لا حصر لها ،وهذه السنن لا تدرك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويحج ويصوم ويزكي ومن أبرز ما يحتج به على منكري السنة الحديثان اللذان ذاكرهما وهما :

((صلوا كما رأيتموني أصلي))   ((خذوا عني مناسككم))

هذان الحديثان هما الأصل في حجية السنة العملية الأول في وجوب محاكاة الصورة والكيفية والثاني لأعماله وأقواله في الحج .والحديثين من السنة القولية لا من العملية، فكيف يستغنى عن أصل ثبتت به السنة العملية؟!


الفقه القولي :

هب أننا شاهدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العشاء من تكبيرة الإحرام إلى الخروج منها بالسلام. فهل من المشاهدة تميز لنا أركان الصلاة التي تبطل الصلاة بترك واحد منها ،ثم السنن ،ثم مندوبات الصلاة وفضائلها.

وما يدرينا أنه صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه ((سبحان ربي العظيم)) ومن يدرينا أن السلام على اليمين فرض ، إن لكل سنة عملية سننا قولية ، لا في الصلاة وحدها بل في كل التكاليف وبهذا يندفع الباطل.

الكاتب: عبد العظيم إبراهيم - محمد المطعني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى