تعزيز اليقين

امتناع التسلسل في الفاعلين

يمكن أن يقال في بيان وجه ضرورة مبدأ السببية عن طريق التقسيم العقلي الحاصر: إن حدوث الشيء بعد أن لم يكن موجودا:

  • دليل على أنه ليس قديما؛ إذ لو كان قديما لما كان معدوما في لحظة من اللحظات.
  • ودليل على أنه ليس ممتنعاً؛ إذ لو كان ممتنعا لما تحقق وجوده في الخارج.

ثم إن انتقاله من العدم إلى الوجود لا يخلو من حالين:

  • إما أن يكون ذلك حادثا بغير فاعل.
  • وإما أن يكون بفاعل.

وحدوثه بغير فاعل مناقض للضرورة العقلية والنفسية التي يجدها الإنسان في داخله؛ لأنه لا يوجد أحد من العقلاء الأسوياء يتعامل مع أحداث الواقع بأن لا فاعل لها ولا أحد منهم يعتقد بأن سرقة ماله كان بغير فاعل ولا أحد منهم يعتقد أن حدوث الشج في رأسه كان بغير فاعل، بل كل عاقل يعتقد أنه ما من حدث إلا لو من فعله.

فلم يبق إلا أن يكون لكل حادث فاعل، وحدوثه بالفاعل لا يخلو:

  • إما أن يكون الفاعل هو الشيء الحادث نفسه.
  • وإما أن يكون غيره.

ولكن كون الشيء المعدوم يحدث نفسه ويعطيها صفة الوجود مستحيل لثلاثة أمور :

  • الأول: أنه يلزم منه تقدم الشيء على نفسه، لاستحالة وجود الفعل قبل الفاعل.
  • الثاني: لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه لنفسه ولا لغيره.
  • الثالث: لأن الشيء الممكن في حال عدمه يتساوى في حقه الوجود والعدم، وترجيح أحد الاحتمالين لا بد له من مرجح ؛ لاستحالة ترجح أحد الاحتمالين بلا مرجح، ويستحيل أن يكون المرجح الشيء المعدوم ذاته؛ إذ لو كان كذلك لكان قديما ، ولكنه ليس كذلك

فلم يبق إلا أن يكون الفاعل المؤثر في انتقال الشيء من العدم إلى الوجود خارجا عن ذات الشيء، وإذا كان خارجا، فإنه لا يخلو من حالين :

  • إما أن يكون وجود ذلك الفاعل مسبوقا بالعدم.
  • وإما ألا يكون وجوده مسبوقا بالعدم.

فإن كان مسبوقا بالعدم، فيَرِد عليه ما يرد على الموجود السابق، ويلزم منه التسلسل في الفاعلين المؤثرين، بحيث يكون لكل فاعل فاعل، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهذا أمر ممتنع في بدائه العقول، ويؤدي بالضرورة إلى عدم حدوث شيء في الواقع؛ لأنه إذا كان الفاعل لا يفعل إلا بعد فعل فاعل قبله، وافترضنا أنه لا يوجد فاعل ليس قبله فاعل، فإنه لا يمكن أن يقع شيء في الوجود، فإذا وجدنا أحداثا في الوجود علمنا استحالة التسلسل في الفاعلين .

ومما يوضح أن التسلسل في الفاعلين يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع الأفعال: أننا لو افترضنا أن مجرما حكم عليه بالقتل، فقال الجندي لا يمكن أن أضرب عنقه حتى يأمرني من هو أعلى مني رتبة، وقال من هو أعلى منه لا يمكن أن آمر بذلك حتى يأمرني من هو أعلى مني رتبة، وقال من هو أعلى منه مثل قوله، فإننا إذا افترضنا أن السلسة لا تنتهي إلى قائد لا ينتظر الأمر ممن هو أعلى منه فإنه لا يمكن أن يقتل ذلك المجرم، وإذا وجدناه مقتولا فإننا نعلم بالضرورة أن السلسة منتهية إلى حد معين بالضرورة.

انظر: منع التسلسل في المؤثر ( أدلة وجود الله)

الكاتب: مستفادة من كتاب ظاهرة نقد الدين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى