كما نقول عن الدين إنه محفوظ رغم اختلاف الفقهاء في الأحكام نقول ذلك هنا، ذلك أن الاختلاف في الجزئيات الفرعية لا يعارض حفظ الأصول، ولا يعارض وجود طريقة للوصول للأرجح في الفرعيات، وهي (أي : الفرعيات) قد شاء الله أنه يُكتفى فيها بغلبة الظن .
وكما نقول عن القرآن الكريم إنه محفوظ رغم الاختلاف في قرآنية البسملة في فاتحة الكتاب ، وكما خالف بعض العلماء في تصحيح قراءات من القراءات المتواترة ، لم يقدح شيء من ذلك في قطعية حفظ القرآن ويقينيته ؛ لأنه اختلاف لا يقدح في يقينية اليقيني .
فالاختلاف في التصحيح والتضعيف للسنَّة سيكون مانعًا من دعوى الحفظ = لو كان الاختلاف المعتبر فيها واقعًا في أحاديث تنبني عليها أصولٌ من أصول الدين، أما إن كان منتهى الأمر اختلافا في الظنيات، فلن تختلف حينئذ عن الاختلاف الفقهي في فروع الدين الظنية .
كما أن الاختلاف في التصحيح والتضعيف للسنة لم يقع مع انقطاع الأمل في معرفة الراجح في الحكم على الحديث، فلو كان واقعا مع فقدان وسيلة الترجيح لصح اعتباره سببا لعدم القدرة على التمييز .
كما أن الاختلاف في التصحيح والتضعيف للسنة لم يقع بسبب اختلاف قواعد النقد (على الصحيح المقطوع به) ؛ إذ لو كان الاختلاف في منهج القبول ، لضاعت السنة بين مناهج النقد التي يعد بعضُها الحديث صحيحا ويعده بعضها الآخر ضعيفا .
أما مع الاتفاق على منهج النقد (وهو الصحيح المقطوع به) ، فهذا يعني أن المختلفين سيتفقون لو اطلعوا جميعا على معطيات الحكم الجزئية واتفقوا على أوزانها، كاتفاق الفقهاء لو اطلعوا على أدلة بعضهم وعلى وجه الاستدلال ووزنه ضمن الأدلة المتعارضة .
واتفاق الأئمة على منهج القبول هو ما كنتُ قد قررته في عدد من المحاضرات المنشورة ، وأثبتُّه بعدد من الأدلة، ورددت على دعاوى الاختلاف فيه وأدلتها.
وهنا جواب أ. أحمد السيِّد عن سؤال:
لماذا يختلف المحدثون في الحكم؟!