عرض ونقد

سؤالٌ عن عموم رسالة الإسلام لجميع النَّاس في كلِّ زمان ومكان.

سؤالٌ:

أريد دليلًا من القرآن على أن الإسلام لكل العصور وليس لعصر الصحابة فقط،  ودليلًا على أن الاسلام لكل الأمم وليس للعرب فقط.


والجواب:

إنَّ هذه القضية من بدهيات القرآن، وسنسرد الأدلة على ذلك مبينين عن وجه الدلالة:

  1. قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، و”العالمين” اسم يعم كل من سوى الله، وهو على عمومه، فيعم كل من يشمله الاسم.
  2. قال جل ثناؤه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الرُّسُلَ قَبْلِي يُبْعَثُونَ إِلَىٰ قَوْمِهِمْ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»، وفيهما نص على أن رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عامة للناس كافة، ومن لوازم ذلك أن تكون رسالته صالحة للناس في كل زمان ومكان.
  3. قال عز من قائل : {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}، فصرح بأن رسالة محمد عليه السلام تعم الناس جميعا، في كل مكان وزمان، واللفظ العام إذا أطلق فالأصل أنه يشمل جميع الذوات في كل مكان وزمان، وهل من بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ناس ومن بعدهم ليسوا بناس؟!
  4. قال تعالى ذكره: {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، فجعل الغاية من إنزال هذا الكتاب إخراج الناس [كلهم] من الظلمات إلى النور، فالكتاب إذن متوجه إلى الناس كلهم جميعا.
  5. قال تقدس اسمه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}، مع قوله تعالى: {ولكل أمة رسول} وقوله: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}، فإذا كان لا بد من رسول لكل أمة، وأنه مر بجميع الأمم رسل من قبل، وكان محمد هو خاتم الرسل، لزم أن يكون هو رسول جميع الأمم في عهده ومن بعده، حتى لا تخلو أمة من رسول، فكيف تخلو أمم كثيرة من بعده عن رسول؟!
  6. قوله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}، وغيرها من أدلة وجوب الإيمان بالنبي ﷺ وأن من لم يتبعه مفرِّقا بينه وبين بقية الرسل كافر.
  7. قال جل ذكرُه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فتعهد بحفظه على الدوام، وما الداعي لحفظ كتاب انصرم أهله، وانقرض متبعوه؟! هذا ضرب من العبث خاصة إذا نسب لإله حكيم حميد.
    وهذا يفسر لك سر عدم تعهده تعالى بحفظ الكتب السابقة؛ لكونها خاصة بأهلها، مقصورة على زمنهم، متلوة بما ينسخها.
  8. ومن الأدالة القاطعة كذلك على بقاء الإسلام إلى يوم القيامة ومن ثم صلاحيته لكل زمان ومكان، قول الله عزوجل في كتابه الكريم {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقوله{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا}، فهذه الآيات تدل على أن الله ارتضى الإسلام دينًا للخَلق جميعًا من زمَن النبيِّ محمَّد صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة، فكيف لا يقبل منهم سبحانه غيره وهو لا يصلح!؟ وكيف يكون كاملا يرضاه الله وهو لا يصلح!؟ هذه الآيات تؤكد على أنه لا يوجد على وجه الأرض دينٌ حقٌّ سوى دين الإسلام؛ فكيف يحتاج الناس إلى غيره مع تمامه ؟ أم كيف يرجون الهدى في سواه ولا دين بعده؟! والآيات التي تفيد هذا المعنى بعموم رسالة الإسلام إلى قيام الساعة كثيرة جدا بمنطوقها ومفهومها وإشارتها وإيمائها بعدد لا ينحصر من أوجه الدلالة.
  9. كما أن حصر الإسلام في زمن الصحابة مخالف للمعقول كما هو مخالف للمنقول، لأن في ادّعاء عدم صلاحية الشريعة لقيام الساعة طعنًا في كمال الله ورحمته وحِكمته، إذ كيف يترك سبحانه البشر دون شريعة تحكمهم قرونا كثيرة إلى قيام الساعة!؟ فكمال الله ورحمته تقتضي إما أن تستمر الرسالات أو تكون هناك رسالة خاتمة محفوظة من عند الله عزوجل صالحة لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة، وإلا صار الناس يفتقرون إلى هداية الرسل، وهذا يؤكد صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.

وأما السر في خلود الشريعة الإسلامية وبقائها؛ فهو يعود إلى خصائص تتميز بها وتبلغ بها هذه المكانة، فهي:

  • من مصدر رباني.
  • وهي خاتمة لكل الشرائع.
  • وقد جاءت بالشمول في الخطاب.
  • وأقرت العلل في الأحكام والمناسبات في الأوامر والنواهي.
  • ونهجت القواعد الكلية التي تتسع لكل الحوادث، مثل قواعد اعتبار المصالح والمفاسد والترجيح بينها عند التعارض مثلا، واعتبار المآلات عند الحكم على الأفعال بمراعاة سد الذرائع وفتحها والحكم بالرخص والتخفيفات وغير ذلك، وإعمال القياس الذي حقيقته الرجوع إلى معنى النص وإعماله في صورة لا يشملها بلفظه بل بمعناه، وغير ذلك مما يضفي على الشريعة سمة اتساعها لكل زمان ومكان، ولله الحمد والمنة .

الكاتب: الفريق العلميّ لقسم الأحكام الشرعيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى