تعزيز اليقين

قواعد المحدثين لإدراكِ عِلة الحَديث (شرحٌ موجز )

 القواعد التي يدرك بها المحدِّثون العلة في الحديث ( سندًا أو متنًا ) كثيرة ولها أمثلة متعددة، حتى أنها قد أُفردت بالمطولات والمجلدات وصارت علمًا مستقلًّا بذاتها.

وهذه نبذةٌ عنها:

  • [ تتبُّع الروايات المتعلقة بالحديث الواحد، وجمعها والمقارنة بينها سندا ومتنا، حتى تُعرف العلة ].

مثال: ما يُروى عن ابن جريح، قال: أُخبرت عن الزهري.

ويرويه البرساني محمد بن بكر بن عثمان البصري، عن ابن جريج عن الزهري.

فالذي يسمع يظن أنه متصل، وهو لا يصح بتة. هذا لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح وهو حديث معلول.

  • [ أن يخالف الراوي في روايته عن شيخ لمن هو أثبت الناس في ذلك الشيخ ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: سألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ جَعْفَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عمر ابن أَبِي سَلَمة، عَنْ أمِّ سَلَمة: أنَّ النبيَّ تزوَّجها …، الحديثَ؟

فَقَالَ أَبِي وأَبُو زُرْعَةَ: رَوَاةُ حمَّاد بْنُ سَلَمة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمة، عَنْ أَبِيهِ، عن النبيِّ، وَهَذَا أصحُّ الحديثَيْنِ؛

زَادَ فِيهِ رَجُلاً.

قَالَ أَبِي: أَضْبَطُ الناسِ لِحَدِيثِ ثابتٍ وعليِّ بْنِ زَيْدٍ: حمَّادُ بنُ سَلَمة؛ بيَّن خطَأَ الناس.

  • [ أن يكون ما رُويَ عن الراوي مخالفاً لما في كتبه، أو أنه لا يوجد فيها ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُيينة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَن حَسَّان بْن بلال، عَن عمَّار، عن النبيِّ؛ في تخليل اللِّحْيَة؟ قَالَ أَبِي: لم يحدِّثْ بِهَذَا أحدٌ سوى ابنِ عُيينة، عَنِ ابْنِ أَبِي عَروبة.

قلتُ: هُوَ صَحيحٌ؟

قَالَ: لو كَانَ صَحيحًا، لكان فِي مُصَنَّفات ابن أَبِي عَروبة، ولم يذكُر ابنُ عُيَينة فِي هَذَا الحديثِ الخَبَرَ؛ وَهَذَا أَيْضًا مما يوهِّنُهُ.

  •  [ تصريح الشيخ بأنه لم تبلغه في باب ما، رواية، ثم يروي عنه حديث في هذا الباب ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه حماد ابن خلد الخياط عن هشان بن سعيد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لا طلاق إلا بعد نكاح. قال أبي: هذا حديث منكر. وإنما يروى عن الزهري أنه قال: ما بلغني في هذا رواية عن أحد من السلف. ولو كان عنده عن عروة عن عائشة، كان لا يقول ذلك.

  •  [ أن يكون الراوي لم يسمع من الشيخ وإنما حصل على كتاب له، فروى من الكتاب ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ معاذ بْن هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلاج، عَنِ ابن عباس، عن النبيّ: رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ …، وَذَكَرَ الحديثَ فِي إسباغِ الوُضُوء ونحوِهِ؟
قَالَ أَبِي: هَذَا رَوَاهُ الوليدُ بْن مُسْلِم، وصَدَقَةُ، عَنِ ابْنِ جَابِر؛ قَالَ: كنَّا مَعَ مكحولٍ، فمرَّ بِهِ خالدُ بنُ اللَّجْلاج، فَقَالَ مكحولٌ:

يا أبا إِبْرَاهِيم، حَدِّثنا، فَقَالَ: حدَّثني ابنُ عايش الحَضْرَمي، عن النبيِّ.

قَالَ أَبِي: وَهَذَا أشبَهُ، وقتادةُ يُقال: إنه لم يَسْمَعْ من أَبِي قِلابة إِلا أحرفًا؛ فإنه وقع إِلَيْهِ كتابٌ مِنْ كتبِ أَبِي قِلابة، فلم يميِّزوا بين عبد الرحمن بْن عايش، وبين ابن عَبَّاس.

  •  [ أن يكون الحديث مخالفًا لرواية الثقات ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: سألت أبي وسئل أبو زرعة عن حديث رواه حسين المروزي عن جرير ابن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: أن رجلا زوَّج ابنته، وهي كارهة، ففرق النبي بينهما.

قال أبي: هذا خطأ، إنما هو كما رواه الثقات عن أيوب عن عكرمة أن النبي ﷺ …الحديث. قال: مرسل. منهم: ابن عليه وحماد ابن زيد أن رجلا تزوج. وهو الصحيح.

  • [ أن يكون الحديث معروفاً عن قوم هم أعلم به وأخبر، ثم يأتي من يخالفهم ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الثوري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كتب عمر إلا أمراء الأجناد ألا يأخذوا الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي.

قال أبي: ومنهم من يقول: عن نافع عن أسلم عن عمر.

قلت لأبي: فأيهما الصحيح؟ قال: الثوري حافظ، وأهل المدينة أعلم بحديث نافع من أهل الكوفة.

  • [ أن يأبى سياق الحديث كونه من رسول الله ﷺ ].

مثال: قول ابن أبي حاتم: وكذلك نقص حديث مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة أن النبي ﷺ قضى بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة.

فيحتمل في هذا الحديث أن يكون الكلام الأخير كلام سعيد وأبي سلمة. ويحتمل أن يكون كلام ابن شهاب.

  •  [ أن يحصي الناقد الشيوخ الذي سمع منهم الراوي، فتكون رواياته عنهم متصلة وصحيحة وعن غيرهم مرسلة أو منقطعة لعدم اللقاء والسماع ].

مثال: ما ذكره ابن المديني عن قيس بن أبي حازم. فقد أحصى من روى عنهم قيس وسمع منهم من الصحابة. وما ذكره عن الحسن البصري، فقد ذكر من سمع منهم من الصحابة ومن لم يسمع منهم. كما ذكر الذين رووا عنه ومن لم يثبت سماعهم منه.

وبهذا يمكن الحكم في الأحاديث التي ورد في أسانيدها اسم الحسن البصري كراوٍ من رواته.

  •  [ معرفة حذاق النقاد العلل، لمعرفتهم التامة بالرجال والأحاديث ].

مثال: قال ابن حبان: عبد الله بن عبد الملك يروي عن يزيد بن رومان وأهل المدينة العجائب. لا يشبه  حديثه حديث الثقات.


وهذه القواعد والأمثلة مقتبسَةٌ من كتاب: [ اهتمام المُحدِّثين بنقدِ الحديثِ سندًا ومتناً ،، ودحضُ مزاعمُ المُستشرِقين ]، لـ: (محمد لقمان السلفي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى