السؤال:
كيف نرد على امرأة تقول” إن الإسلام ظلم المرأة ولم يكتف بحبسها في البيت ولكنه أيضًا قيّدها بالحجاب بزعم أنها فتنة رغم أن الرجل قد يكون أجمل منها ولا أحد يأمره أن يتحجب، فما هذا الظلم؟ “
الجواب:
سنسلك طريقين في جواب هذا السؤال – بإذن الله – لتزول الشبهة .
- الطريق الأول: الطريق الإجمالي، وهو طريقٌ قاطعٌ وواضح.
وذلك بأن نقول لها :
إن الله – سبحانه وتعالى – مُنزهٌ عن الظلم، و دين الإسلام هو دين الله عزوجل، دلّ على ذلك البراهين الواضحة والحُجج القاطعة .
?ونقترح لها هذه المقاطع والمؤلفات التي تُعزز اليقين في براهين صحة الإسلام .
https://t.me/amohawer/161
فإذا قامت الحُجّة على صحة دين الله عزوجل – وهي قائمة – ، لايصح بعد ذلك أن نقول إن الإسلام ظلم المرأة؛ وإنّما يكون هناك إشكال في فهمنا نحن للإسلام، أو هناك خلل عندنا في مقدمات التفكير أو في بعض الخلفيات الموجودة مسبقًا وبعض الأفكار التي وضعناها كمعايير وبنينا عليها حُكمنا بالظلم وهي أصلًا ليست صحيحة .
- الطريق الثاني، أن نردّ على شبهاتها تفصيلًا، فنقول:
أولًا :
إن أحكام المرأة في الإسلام الخاصة بالحجاب وبعلاقتها بالرجل عمومًا مبنيّة على أن العلاقة بين الرجل والمرأة مطلوب فيها من الأساس أن تكون مبنيّة على العفاف والطهر.
فإذا كانت أصلًا لا ترى أن هناك مشكلة في الزنا وأن الفاحشة شيء عادي وحرية اختيار، فهنا :
– نحتاج أن نُرجعها للأصل بأن الله ذمّ هذا وسماه فاحشة إذا كانت مُقرّة بالأصل وهو صحة الإسلام.
– ثمّ نثبت لها أيضًا بالعقل وبالأدلة التي نستقيها من الوحي، أن الزنا فاحشة وأنّه ظلم وأنّ له آثارًا سيئة في اختلاط الأنساب وضياع وتفكك الأسر وما إلى ذلك.
وإذا كانت تُقر بذلك وبأن الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة أن يكون هناك تحفظ وحياء وعفاف وأن الزنا فاحشة ، فننتقل لباقي الإجابات فنقول :
ثانيًا :
- إن الحجاب من الأحكام الشرعيّة التي شرعها الإسلام كوسائل تضبط العلاقة بين المرأة والرجل، وتجعلها في إطار التحفظ والتعفف، بعيدة عن الانحطاط، محفوظة في إطار الزوجيّة الذي تتحقق به مصالح أسريّة واجتماعيّة عظيمة وجليلة القدر وضروريّة لصلاح المجتمعات .
- وهذا من عظمة الإسلام وسماحة الشريعة، أن تأمر الناس بالشيء وتأمرهم كذلك بما يساعدهم على الامتثال والاستجابة للأمر، لذا نجد أن الإسلام حرم الزنا ومع التحريم سد الذرائع وضيق في الخطوات والمقدمات التي تؤدي له وتصعب على الناس اجتنابه.
فإذا أقرّت بكل ما سبق، يبقى لها أن تسأل عن حِكمة الحجاب على وجه الخصوص، فإذا قالت لماذا شُرعت هذه الوسيلة وليس تلك؟لماذا الحجاب؟ لماذا لا يكون الرجل أيضًا متحجبًا؟ فحينئذ ننتقل لمستوى أكثر تفصيلًا من النقاش ونقول فيه :
ثالثًا : الحِكمة في تشريع الحجاب .
- إن الله – سبحانه وتعالى – أعلم بما يُصلح عباده كما قال تعالى { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وهو أعلم بأن هذه الوسيلة بعينها هي الأصلح وأن الأمر لا ينضبط إلا بهذا، فالله سبحانه وتعالى هو أعلم بمقادير الأحكام التي تُصلح عباده، فلو كان في علمه أن المرأة تحتاج إلى أن يحتجب الرجل لكان هذا.
- إن أحكام الإسلام مبنيّة على الغالب وهذا هو الذي تستقر به الأحوال وتقوم عليه المصالح، بأن يُبنى على الغالب، أمّا النادر فلا حكم له.
والغالب هو أن الرجل يُفتن بالمرأة ويُخرجه ذلك عن الالتزام بالعفّة والحياء والعلاقة السليمة، وأمّا المرأة فهي أقل استثارة عندما ترى الرجل الجميل، والغالب في علاقة الرجل بالمرأة أنها تبدأ من هذه الجهة – من جهة افتتان الرجل بالمرأة – فإذا وُجدت حالات شاذة تصل بها غريزة المرأة إلى درجة أنها تُفتن بمجرد النظر للرجل؛ فهذه حالة شاذة لا عبرة بها وتُطالب هي أن تكفّ نفسها، أما الحال الغالب فهو أن الرجل يُفتن بشكل المرأة ومن ثمّ على المرأة أن تحتجب عن الرجل وعليه أن يجتهد في غضّ بصره.
والقول بأن هذا هو الغالب أمر مُشاهد, فالرجال يُفتنون بالصور أكثر من افتتان النساء بالصور؛ فالمرأة تُستمال بأشياء كثيرة ليست مجرد صور، فتحتاج إلى مسألة العاطفة وغيرها، فهناك جاذبية في الرجل غير مسألة صورته وهيئته وشكله فقط ، وسد الشرع ذرائع افتتانها به من هذه الجهة بتحريم الاختلاط والخلوة والكلام بغير حاجة، وإن كان الشكل له دور -ولذلك أمرت المرأة بغض البصر- لكن دوره أقل بكثير من دوره في افتتان الرجل بها.
- ثمّ إن احتجاب المرأة متلائمٌ أيضًا مع منظومة الأحكام الأخرى التي شُرعت لها, والتي هي موافقة لفطرتها، فهي مسؤولة ومسترعاة في بيتها, وقد أُمرت بلزوم هذا البيت بناءً على أن هذا الشيء هو المتوافق مع فطرتها؛ أن ترعى أولادها وتحن عليهم وتعطف عليهم، فالمرأة أصلًا في غالب أحوالها تكون في بيتها والرجل هو الذي يبرز ويخرج ويخالط، فمقدار المشقّة الذي يترتب على احتجاب الرجل أكبر بكثير من مقدار المشقّة المترتبة على احتجاب المرأة، والشرع يأتي بتحصيل المصالح وتكميلها, وأيضا دفع المشاقّ ودفع الحرج، فقد يكون الأمر منظورًا فيه إلى هذا إضافة لما سبق، وقد يكون من الأسباب والأشياء التي قُصدت أو روعيت في الحُكم.
وهذا لا يعني أن الرجل تُرك دون قيود في مسألة اللباس والشكل، وإنما فُرض عليه أيضا ضوابط كحدود العورة ووجوب اللحية وعدم لبس الحرير وعدم التشبه بالكافرين والنساء وغيرذلك.
فهذه بعض الحِكم التي نلتمسها في تشريع الحجاب، مع التأكيد على أن باب الحِكمة هو باب اجتهادي، وشيء في علم الله عزوجل, وما أُوتينا من العلم إلا قليلًا، وعلمنا محدود وعلم الله – سبحانه وتعالى – لا يُحدّ ولن نحيط به كما قال المولى عزوجل {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}، فلا يصح أن نُحاكم علمه وحِكمته إلى حِكمتنا وعلمنا، وإذا خفيت علينا الحِكمة في شيء فقد ظهرت لنا في أشياء كثيرة، وهذا يظهر بأدنى نظر في أحكام الشريعة بأنها متوازنة وشموليّة واقعيّة عميقة حكيمة، فمن نظر إلى تلك الشريعة بهذه النظرة العامّة لم يعد يشكل عليه شيء جزئي؛ لأنه يردّ الجزئي إلى نظيره وهو أكثر وأغلب، فالأحكام التي تُشكل هي أحكام معدودة وفريدة، والأغلب من أحكام الشريعة لا يستشكلها النّاس بل يرون فيها الحِكمة والصلاح لهم, والعاقل يقيس ما خفي على ما ظهر وغلب.
وأخيرًا،ننبه على عددٍ من الأمور تُساعد في حل هذا الإشكال جذريا.
- لابد من النظر إلى الصورة كاملة، فهذا الإشكال والاعتقاد بأن الإسلام ظلم المرأة؛ يقع فيه من ينظر إلى جزء صغير من الأحكام الشرعيّة ويغفل عن الصورة كاملة، ذلك أن الأحكام الشرعيّة منها ما يشترك فيه الرجل والمرأة بالتساوي كتحريم الاختلاط والخلوة بين الجنسين،وهناك أحكام شرعيّة خاصة بالمرأة وحدها مثل الحجاب، وهناك أيضًا أحكام شرعيّة خاصة بالرجل وحده مثل تحريم لبس الحرير والذهب ووجوب اللحية، ووجوب الجمعة والجهاد والنفقة وغيرذلك، ولم يقل أحد أن وجود تكاليف شرعيّة خاصة بالرجل دون المرأة فيه ظلم للرجل واضطهاد له.
لذا نؤكد على ضرورة وأهمية أن يُنظر للصورة كاملة في هذه الأمور لنعرف أن الإسلام لم يظلم المرأة بمزيد من الضوابط أبدًا كما تقول السائلة؛ بل هناك أيضًا ما فُرض على الرجل ولم يُفرض عليها. وتوازن الشريعة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والتكاليف، هو من تمام العدل؛ فالإسلام مبني على العدل وليس التساوي، ومن عدل الشريعة أنها لا تساوي بين المتفرقات ولا تفرق بين المتماثلات، لذا وجود تفريق يقتضي وجود معنى مؤثر لزم منه هذا التفريق، ومن المعلوم والمشاهد أن المرأة والرجل بينهما اختلافات كثيرة في الخصائص الجسدية والوظيفية والقدرات والمميزات وغير ذلك، فترتب على هذا اختلافات بينهما في بعض الحقوق والواجبات والتكاليف بما يناسب طبيعة كلٍّ منهما, ولا يعلم أحد ما المناسب على وجه التفصيل والشمولية والتوازن الدقيق إلا الله الذي خلقهما, ومن تيقن من هذا سيجد كل الحُسن في شرع الله العدل الحكيم كما قال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. - كذلك ننبه على أن السؤال فيه تصوّر خاطئ عن الأحكام الشرعيّة، فليس كل النساء يشعرن بالضيق والتقييد بسبب الحجاب بل هو للفطرة أقرب،وكذلك الإسلام لم يحبس المرأة في البيت،بل النساء يخرجن لطلب العلم،وأوصى النبي الرجال بألا يمنعوا النساء من الذهاب للصلاة،وأوصى بأن تخرج المرأة لصلاة العيد لتشهد الخير،وكذلك المرأة تخرج لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، وشاركت خير النساء في الغزوات مثل السيدة عائشة والصحابيات، فالأمر ليس بهذه الصورة التي يوحيها السؤال، فالشريعة حثّت على قرار المرأة بالبيت، لكن لم تحبسها وتمنع الخروج بصورة مطلقة, وأجازته لحاجة المرأة ومصلحتها مع مراعاة الآداب والضوابط الشرعيّة.
- وفي ختام حديثنا نوصي كل أخت بأن تدرك أن هروبها من الإسلام لأجل استشكال بعض الأحكام الشرعيّة هروب لتيه ومأزق كبير، تتخبط فيه بين الأفكار والمذاهب المنحرفة التي تحط من قيمتها ولا تُراعي حقوقها ولا تصونها.
ويمكن سماع هذه الصوتية للوعي بخطورة هذا الأمر، والتيقن من أن المرأة لن تجد انضباط الرؤية الكونية الوجودية، ومراعاة حقوقها بالتوازن مع الواجبات إلا في الإسلام.
https://youtu.be/TGz2Pi3ROtU
والله أعلم