من الشبه التي تنادي بها النسوية :
أن القوامة اليوم لا مبرر لها، لأن هذه القوامة مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي، في مجال الثقافة والمال، وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات؛ فلا مبرر للقوامة …وعلى إثرها وقريب منها الدعوة لإسقاط ولاية الرجل على المرأة.
الرد :
١- قوامة الرجل على المرأة ثابت بالقرآن والسنة ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34] والآية تفيد أن المرأة لو صارت مكتسبة فإن ولاية الرجل وقيوميته عليها لا تسقط باكتسابها .
والقوامة من القيام على الشيء، والقيام على الشيء هو حفظه، ومراعاة مصالحه، وتدبيره، والقيِّم هو: السيد، والسائس، والمدبر، وقيِّم المرأة هو: زوجها أو وليُّها؛ لأنه يقوم بأمرها بالتدبير، والنفقة، والرعاية.
وروى البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا”. فهي لا تخرج للمسجد -وهو موضع الطاعة- إلا بإذن زوجها؛ مما يدل على أنه رئيسها والقائم عليها.
فالرضا بها امتثال وتسليم لأمر الله عزوجل أما قولهم أن المرأة اليوم قد ساوت الرجال في الكسب والقدرة على الاستقلال بشؤونها بعيدا عن قوامة الرجل فالله المشرع يعلم ماذا سيحدث في مستقبل الزمان، ولو كان الحكم يتغير لبيّنه رب العالمين الذي يعلم ما كان وما وما سيكون لو كان كيف كان يكون. (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
والقوامة هي الدرجة التي جعلها الله للرجال تكليفا لا تشريفا وحق للمرأة لا عليها، وميزة لها، وليس تقليلا من شأنها.
٢- أن القوامة – توزيع للعمل، تحدد الخبرة والكفاءة ميادينه.. وليست قهراً ولا قَسْراً ولا تملكا ولا عبودية، بحال من الأحوال..
ذلك أن الله جعل القوامة للرجل على المرأة لتتفرغ المرأة لوظيفتها الكبرى وهي: القيام برعاية ومصالح البيت والأولاد، فإنه من الظلم أن يطلب من المرأة أن تحمل وترضع وتربي، ثم يطلب منها العمل والكد من أجل حماية نفسها وأسرتها والسعي عليهم في آن واحد، فكان العدل أن يعطى الرجل القوامة لما فيه من خصائص تؤهله لذلك، كما أن المرأة عندها من الرقة والعاطفة وسرعة الانفعال والاستجابة لمطالب الطفولة ما أهلها لتربية الأطفال، والقيام على شؤونهم في البيت، وهو ما يعجز الرجل عن القيام به.
ثم إن الأسرة مع صغرها فهي مؤسسة عائلية لابد لها من إمارة ورئاسة حتى تستقيم أمورها ففي الحديث (إذا كنتم ثلاثة في سفر فلتؤمروا أحدكم )، فإما أن يكون الرئيس هو الزوج، وإما أن تكون الزوجة، وإما هما معاً، وإما غيرهما، وإما لا أحد، وليس هنالك حل آخر.
فإن كانت الأسرة بلا قيادة، فلا تسأل عما ينشأ عن ذلك من الفوضى لسبب بسيط وهو تضارب المصالح واختلاط الأولويات وتعارض الرغبات، فمصير أسرة بلا رأس هو الزوال والاضمحلال والتشرد والجنوح.
والحل الثاني هو: تسيير شؤون الأسرة من قبل أحد غير منتمٍ لها، وهذا لا يتأتى ولا يستقيم، إذ من الضرورات لإدارة الأسرة: المعرفة والعلم بأسرارها وظواهرها وبواطنها، وهذا لا يتأتى للغريب.
والحل الثالث: أن تكون القوامة للرجل والمرأة معاً، وهذا يؤدي إلى التنازع والإفساد.
والحل الرابع: أن تكون القوامة بيد الزوجة، ومن هنا تتعثر مصالح الأسرة ولابد فالمرأة عاطفية انفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها خلاف الرجل ،وإنما خصها الله بذلك نظرا لعظم دورها في تنشئة الأجيال واحتياجهم لحنوها ورقتها، وهذا مظهر من مظاهر الكمال لا النقص.
مع التذكير أن وجود قيم أو قائد في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها, والعاملين في وظائفها.
وبالتالي لم يبق إلا الحل الذي شرعه الحكيم بأن تكون القوامة للرجل.
٣-أن التطبيق الشرعي للأحكام يستقى من السنة النبوية القولية والفعلية ولو نظرنا إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتطبيقه في تعامله مع أزواجه وبناته لأدركنا شيئا من معنى القوامة الحقيقية ولا نتحاكم إلى تطبيق من مال للإفراط أو التفريط في تطبيقها.
فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالنساء فقال (استوصوا بالنساء خيرا ) ،وقال في خطبة حجة الوداع : ” اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ..”
وفي حديث آخر قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي” ودعا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ” وقد كان عليه الصلاة والسلام القدوة في حسن التعامل معهن.
٤-ومما يجب أن يقر، ويستقر في مفهوم القوامة أنها لا تعني ذوبان أحقية المرأة،وانتهاء هويتها،ومصادرة رأيها، فالمرأة لها كيانها، واحترامها، ولها مكانتها التي حفظها الله فهي وإن كانت لا تزوج إلا بولي لا يجوز أن تزوج إلا بإذنها كما قال – عليه الصلاة، والسلام -: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)
لماذا لا يكون لها رأي، واعتبار أن توافق على قبوله زوجاً لها، والرسول ﷺ يقول: ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر إذنها صماتها ).
وهذا يدل على أن الرجل لو أراد أن يجبر ابنته على الخطبة، وهي ممتنعة فإنها لا تجبر على ذلك إذا كانت لا تريده،ولو أرادت إحدى النساء أن تتزوج رجلاً و امتنع وليها من غير مبرر معتبر؟ يجوز للقاضي أن يرغمه على هذا التزويج الذي قبلت به هذه المرأة أو يسقط ولايته وينقلها لغيره من عصبتها أو للقاضي نفسه.
وجاء في حديث عائشة – رضي الله عنها -: أن فتاة دخلت عليها فقالت: “إن أبي زوجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة”، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله ﷺ فجاء رسول الله ﷺ فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: (يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلمَ النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء)
ومن هنا يعلم أن القوامة لا تعني إهانة المرأة، والإزراء بها، والانتقاص الذي يعني التحقير.
وقد سماها الشارع راعية وأناط بها من المسؤوليات ما يتناسب مع فطرتها كما الرجل راعيا في بيته.
والله أعلى وأعلم.
الكاتب: عزة عبد العزيز