يصعب على العابر من أي حقلٍ أو بستان تجاهل الراحة النفسية التي تشعره بها خضرة المكان وتوازن الألوان المحيطة به… فإذا توقّف ونظر في أوراق الأشجار رأى الجمال الكثير في تناظر كل منها حول خط الوسط وانتظامها، وفي تطابقها على الأغصان، وفي حوافها الهندسية المتقنة، وعروقها الناعمة الدقيقة وخضرتها الرائقة المثالية. كل هذا يحمل جمالاً لا يمكن إنكاره البتة. بل إن التأمل في جذع شجرة خشبي مكسور يظهر جمالاً وإتقاناً عظيمين. كيف تطابقت خطوط الخشب عبر السنين بهذه الدقة والروعة؟ كيف استدارت طبقات الخشب بهذا الشكل الفراغي المتناظر والمتباين بين عدة درجات من نفس اللون البني؟
ومن ذا الذي لا يأسره جمال السماء الصافية في الليل المظلم وقد امتلأت نجوماً وكواكب لا تحصى… إنه جمال يسطع في كل شيء؛ من الذرة إلى المجرة، وفي زرقة سماء الصيف إلى خضرة الربيع، مرورا بحمرة ورق الخريف، وجمال ندف الثلج.
نعيش في دنيا قد امتلأت جمالًا، وما من مظهر من مظاهر ذلك الجمال إلا ويلفت نظر الإنسان، فإذا تأمله شعر بانجذاب إليه.. كأنه جزء منه قد انفصل عنه، والآن يعود إلى وطنه.. يتمنى كل منا أن يملك ذلك الجمال، أو أن يبقى فيه، فإن عجز عن ذلك احتفظ به في ذاكرته، ثم جعله كالسلاح في وجه الهموم والغموم!
إننا أمام دليل من أدلة وجود الله تعالى، يجمع الاستدلالُ به بين النظر العقلي، ورهافة القلب ورقة الحس…
فما هو الجمال؟ وما دلالة اشتراك البشر في حبه وتقديره؟ وكيف يدل الجمال نفسه على وجود الخالق الذي أبدعه…
ما هو الجمال ؟
قد يصعب تعريف الجمال من خلال الكلمات الجامدة، شأنه في ذلك شأن كثير من المعاني الملازمة للبشر.. فبعض المعاني الواضحة القريبة قد تكون الكلمات مبعدة لها عن النفس، أكثر من كونها مقربة.. ولكن يمكننا أن نقول هنا : إن من أهم معالم الجمال أن تتواجد في الشيء صفات الكمال الخاصة به.. أنماط متآلفة من النظام.. ألوان متناغمة.. أشكال متناظرة.. خطوط متعانقة.. وكلما زادت فيه صفات الكمال؛ ازداد جمالا وحسنا، وترك في النّفس البشریّة إحساساً بالإعجاب والبھجة والسّرور والدّھشة .
وفي هذا يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
«كلّ شىءٍ جماله وحسنه في أن یحضر كماله اللّائق به الممكن له، فإذا كان جمیع كمالاته الممكنة حاضرةً فھو في غایة الجمال، وإن كان الحاضر بعضھا فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر، فالفرس الحسن هو الذي جمع ما يليق بالفرس من هيئة، وشكلٍ، ولونٍ، وحسن عدْوٍ، وتيسر كر وفرٍّ عليه»، ويضيف الغزالي أن جمال المظهر أنماط متآلفة من النظام، فإن الفوضى قبح، وتناغم الألوان وتناظر الأشكال وتعانق الخطوط وتردد الأصوات وسباحة الأجرام جمال، إذ إن هذه الأمور كلها تثير في النفس بهجة الاستمتاع وتبعث في العقل تقديراً للمرئي.
الجمال حقيقة واقعية تشترك في تقديرها النفوس.
من المسائل التي ينبغي أن تكون واضحة عند الحديث عن دليل الجمال: أن الجمال قيمة تقدّرها النفوس لكونها حقيقة واقعية؛ فالأمور الجميلة هي جميلة حقا في الواقع.
ومن يريد أن تتضح له موضوعية قيمة الجمال، فما عليه إلا أن يتأمل أمورا:
- أنّ الجمال ينبعث في النفس على إثر معان موجودة في الخارج، كالانتظام والتناسق والتناظر في الأشكال، ومع ذلك فالإنسان لا يحتاج لتكلّف الوعي بالجمال وفق خطوات معينة, بل إنّه بمجرد رؤية الجميل يداهمه الشعور بالجمال, فهو يندهش لإعجابه بحقيقة واقعية لم يتكلّف صنعها.
- جميع البشر يفهمون معنى مشتركا من مصطلحات جمالية كجميل ومبهج وأنيق، ممّا يدل على أنها تستند لشيء يتجاوز التجارب الذاتية الخالصة، وهو الجمال الموضوعي الخارجي.
- أنّ ما يتفق الناس على جماله أكثر بكثير مما يختلفون فيه، واختلافهم أحياناً لا يعني انعدام قيمة تقدير الجمال عندهم، لأنهم لن يترددوا في تقدير جمال الشيء متى تبين لهم جماله.
- الإنسان الذي كان يعيش في بيئة مدنية عمرانية تأسره الحقول الخضراء وتبهره الجبال الشاهقة.. وذلك أنّه يدرك حقيقة موضوعية خارجية لم تصنعها تنشئته وبيئته.
- ولولا أنّ الجمال قيمة موضوعية لما كان هناك فرق بين الزهرة وبين قطعة الفحم، أو الأشكال الهندسية المتناظرة والخطوط العشوائية التي يرسمها طفل.
- أنّنا نجادل غيرنا بحرارة لإقناعه بما نعتقده في القيمة الجمالية العالية لمظاهر الطبيعة أو الأعمال الفنيّة، ونتّهم من لا يشاركنا ذلك أنه ضعيف الإحساس بالجمال… وذلك لأنّ الجمال حقيقة قائمة في الشيء.
الجمال في كل مكان
نعم هذه ليست مبالغة.. الجمال مبثوث في كل ما هو حولنا، ولو أحسن الإنسان التأمل فيما حوله لأدرك ذلك، ومظاهر الاتساق والاتزان في الكون أكثر بكثير من أن تحصى أو تعد..
تأمل تغريدات الطيور في تدرجها وتداخلها.. لقد كشف علماء بارزون مهتمون بدراسة تغريد الطيور عن جمال أخاذ في هذه التغريدات.. إنها في كثير من حالاتها منتظمة.
ومن مظاهر هذا الجمال:
- أن الطيور قادرة على إعادة التغريد بالنغمات نفسها، بعد مدة طويلة من تغريدتها الأولى.
- وقادرة على تعلم تغريدات من طيور أخرى.
- وبعضها قادر على إحداث صوتين مختلفين معا، من خلال مجموعتين من الأغشية.
- وبعضها قادر على تقديم تغريدات ثنائية أو رباعية بين طيور عدة.
ومن مظاهر تجذّر الجمال أنّ وظائف بعض الأشياء تُؤَدى عن طريق جمالها، فهذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح، فتقوم بنقل اللقاح لتنشأ الثمار، وهكذا الجمال الذي يجذب الحيوانات لبعضها لتؤدي وظيفة التكاثر.
كما أنّ وجود الجمال وشعور الإنسان به وانجاذبه إليه يساعد على اكتشاف وفهم قوانين الكون! حتّى قرّر بعض علماء العلوم الطبيعية أنّ الجمال مع كونه من دوافع الشغف العلمي يهدي للحقائق العلمية، لكونه جزءاً أصيلاً في بنية الكون في كل مستوياته، حتّى أنّه يلفت انتباه العالم لاكتشاف الحقيقة في المعادلات الرياضية التي يرى المختصون جمالا في صياغتها. ومن أمثلة ما ذكرنا ما قاله مكتشفو شكل الحمض النووي، فقد انجذب الفريق العلمي الذي اكتشف ذلك للشكل الحلزوني وشعروا بأنّ شكلاً بهذا الجمال لا بد أن يوجد لغاية! ثمّ تطابق ما اهتدوا إليه رياضياً مع ما أظهرته الأشعة !
ومن سمات جمال قوانين الكون البساطة والتناسق، ففيها جمال وجاذبية وأناقة وتناغم، ويتجلّى ذلك في ظاهرة التناظر التي تشكّل أهمّ السمات الأساسية للنظرية العلمية، وتواجه الباحث في هذا الكون من أصغر الأشياء في عالم الذرة إلى أبعدها في المجرات، وتثير حين يشهدها في مختلف أجزاء الكون الصغيرة والكبيرة والمتنوعة الدهشة والرهبة والإعجاب، وتدفع العقل لمحاولة فهم العالم البعيد من خلال العالم القريب، فالكون مرآة لبعضه، وهذا من أعظم أدلة وحدة خالقه سبحانه.
ومع هذه الفوائد للجمال في الأحياء والجمادات، إلاّ أنّ قدر الجمال الموجود في هذا الكون كثيرٌ ومتنوّع إلى درجة أنّ الإنسان يدرك أنّه لم يوجد لفوائد وظيفية أو علمية ، بل إنّه وجد ليكون الوجود جميلاً.
وتأمل -مثلا- السماء الزرقاء المزينة بالنجوم، وجمال البدر في ليلة مقمرة، وتداخل الشفق الأحمر مع زرقة السماء وأشعة الشمس الذهبية في مشهد الغروب الذي يبدو وكأنه لوحة فنية تآسر القلوب وتسر الناظرين . تأمل وجود ملايين الأنواع من الزهور والورود.. تتباين ألوانها وعطورها، وكلها بديعة زاهية.. وكثير من مظاهر الجمال الخلابة في الكون مما ليس له فائدة وظيفيّة، وإنما خلقه الله عز وجل للزينة والجمال وإبهاج النفوس، حاملا رسائله لأولي الأبصار، دالا على خالقه وبديع صنعه واتصافه بالجمال جل جلاله، مذكرا بنعم المولى علينا؛ فمَن وضع فينا تقدير الجمال قد خلق الكون كذلك جميلا في كل ما حولنا، وهذا ما أرشدنا إليه القرآن، قال تعالى: {أَفَلَم يَنظُروا إِلَى السَّماءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَيناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِن فُروجٍ . وَالأَرضَ مَدَدناها وَأَلقَينا فيها رَواسِيَ وَأَنبَتنا فيها مِن كُلِّ زَوجٍ بَهيجٍ . تَبصِرَةً وَذِكرى لِكُلِّ عَبدٍ مُنيبٍ} [ق: ٦-٨]، فتبدأ الآيات بالنظر والتفكر، ثم بتقرير الجمال، لتنتهي بالتبصير والذكرى بالحقيقة الواضحة عن الخالق، والتي تستلزم إسلام النفس له بالعبودية والإنابة إليه.
الجمال دليل على الخالق الذي أبدع
عرفنا مما سبق أنّ الجمال شيء زائد على مجرد إتقان وإحكام الشيء؛ فقد يكون الشيء متقنا ولكنه غير جميل، وقد يؤدي الشيء وظيفته بإتقان وعلى الوجه الأكمل وهو غير جميل, فوجود الجمال دليل إضافي على الخالق سبحانه، وهو يقوم على حقيقتين تقدم بيانهما، وهما:
- وجود الجمال في الكون.
- ووجود قيمة الجمال في النفس كمعنى مشترك لدى البشر جميعاً، مغروس فيهم من طفولتهم دون حاجة لتعليم.
فالحقيقة الأولى تدلّ على الخالق من جهة أنّه لابد من مبدع لهذا الجمال، فهو لا يأتي من كون يتكوّن من مجرد مادة وطاقة عمياء عشوائية لا تعرف الغايات ولا القيم، ففاقد الشيء لا يعطيه، بل يأتي الجمال عن غاية تكشف عن إرادة وحكمة بل وجمال.
والحقيقة الثانية تدلّ عليه من جهة أنّ وجود معنى الجمال في فطرنا يدل على أنّ هناك من أعطانا هذه الهبة، فهي مجدداً أمرٌ أكبر وأعظم مما يملكه عالم ماديّ عشوائي، ولا يمكن للمعنى أن يأتي ممّا لا معنى فيه، فالجمال قيمة شريفة تلاقي الحاجة في نفوسنا لما هو أكمل، تلك النفوس التي لا تزال في تطلّع للأكمل لا يسكّنه إلاّ الإيمان بالله الحميد الذي له كل الحمد والكمال، وهو أعظم كمالاً وجمالاً من باب أولى من كل ما نشهده في أنفسنا وفي الآفاق.
إن الجمال تعبير عن معاني الكمال في الذات الإلهية، والجمال أحد أركان الجلال.. والجلال منتهى الحسن والعظمة؛ وهو قائم على ركنين اثنين: الكمال والجمال؛ فالكمال بلوغ الوصف أعلاه، والجمال بلوغ الحسن منتهاه، يقول الله تعالى: {تَبارَكَ اسمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ}[الرحمن: ٧٨].
ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السماوات بعد أن وجه النظر الى كمالها {تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا} [الملك: ١، ٢]، ثم قال: {وَلَقَد زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بِمَصابيحَ } [الملك: ٥]، وما ذلك كله إلا لأن إدراك جمال الوجود، هو أقرب وسيلة وأصدقها لإدراك جمال خالق الوجود؛ فكما دل الخلق على وجوده وقدرته تعالى، فقد دل جمال الخلق على جماله سبحانه وتعالى، فيكون بذلك العلم بالجمال بعض حقيقة الإيمان بالله عز وجل.
قال ابن القيم رحمه الله:
«ومن أسمائه الحسنى: الجميل؛ ومن أحق بالجمال ممن خلق كل جمال في الوجود؟ فهو من آثار صنعه؛ فله جمال الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء؛ فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة… فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات».
لماذا تسحرنا الطبيعة الخلابة؟ لماذا يقف الناس طويلاً متأملين سكون البحر؟ لماذا نشعر بفرح غامر حين نتأمل وجه طفل رضيع؟ لماذا تسعدنا الابتسامة؟ ما حاجتنا لهذه القدرات؟ ومن الذي أودعها فينا؟
- إن الإحساس الجمالي في الإنسان حركة عاطفية في الروح، وشعور بالفرح والطمأنينة، وهو ينتشر في عمق النفس متصلاً بدواخلها النفس.
- إن قدرتنا على استشعار أنواع مخصوصة من المتعة من ألوان وأشكال وأصوات مخصوصة لمن أدل الأمور على وجود الخالق القدير.. لقد خلقنا الله لا لنعيش ونموت فحسب، فقد أعطانا القدرة على استشعار نعمه الدنيوية علينا لتتوق أنفسنا لجنته ونفهم وصفه لها في كتابه الكريم؛ وأعطانا الجمال في الوجود واستشعاره والاستمتاع به بما يزيد عن حاجتنا للبقاء، لأنّ المطلوب منّا هو أكبر من مجرد البقاء على قيد الحياة، واسأل عن ذلك نسائم العطور التي يكفينا عنها مجرد الهواء, وألوان الزهور التي تكفينا عنها حقول الأطعمة الأساسية، وجمال المشاهد المتنوعة وأصوات تغاريد الطيور، كلها تخبرك كيف تفضل الخالق العظيم بإشباع كل حاسةٍ في الإنسان.
قال ابن القيم رحمه الله:
«أما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض؛ وهي من زيادة الخلق في قوله تعالى{يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ} [فاطر: ١]».
القرآن الكريم يحدثنا على الجمال
لقد جاءت في القرآن الكريم آيات عدة ترشدنا إلى التأمل في مظاهر الجمال والعناية بها.. تأمل قوله تعالى: {الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا ما تَرى في خَلقِ الرَّحمنِ مِن تَفاوُتٍ فَارجِعِ البَصَرَ هَل تَرى مِن فُطورٍ . ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنقَلِب إِلَيكَ البَصَرُ خاسِئًا وَهُوَ حَسيرٌ }[الملك: ٣-٤]، فالبصر سيرجع بعد رحلته وقد أصابه الإعياء ولم يجد عيبًا، وقد أكد الله تعالى ذلك في قوله: {أَفَلَم يَنظُروا إِلَى السَّماءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَيناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِن فُروجٍ}[ق: ٦]، فالخلل والتناقض منفي عن صنع الله الذي أتقن كل شيء.
والجمال الذي خلقه الله تعالى في الكون يراه العبد كل لحظة، وفي كل مكان؛ فيرى السماء ونجومها وكواكبها {إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بِزينَةٍ الكَواكِبِ} [الصافات: ٦]، ويرى الأرض وما فيها من أنواع الجمال {إِنّا جَعَلنا ما عَلَى الأَرضِ زينَةً لَها} [الكهف: ٧]، ويرى الإنسان جمال صورته {وَصَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم}[غافر: ٦٤]، ويرى الجمال والزينة فيما سخره الله تعالى له{وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ}[النحل: ٦].
وينتظم جمال الخلق كله في قوله تعالى {صُنعَ اللَّهِ الَّذي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ}، [النمل: ٨٨]، وقوله تعالى{الَّذي أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: ٧].
وبعد ..
فإن أثر تقدير الجمال وإدراك دلالته عظيمٌ على المؤمن، ولذا نجد أنّ القرآن يلفت أبصارنا إليه ليرفع به مستوى الإنسان، ليكون ذواقا لما في آفاق الأرض والسماء من نواحي الجمال، فينظر إلى الكون على أنه هذه الصفحة التي يتجلى فيها الجمال الإلهي.. فالمؤمن إذن يعلم أن الجمال دليل على قدرة الخالق العظيم… دليل على جماله عز وجل .. دليل على رحمته سبحانه.. يستثير وعي الإنسان ليستدل به على الخالق وصفاته..
ومن الآثار المترتبة على تقدير الجمال وإدراك دلالته:
- يمتلك المؤمن -من خلال ذلك- نظرة متسقة للكون والحياة؛ فالجمال بما فيه من إبداع داخل في إيمانه بوجود خالق حكيم عليم.. على كل شيء قدير.
- يلاحظ المؤمن آثار كمال الخالق من خلال مخلوقاته؛ فيرجو رحمته، ويتعلق قلبه به سبحانه.
- يتحصل المؤمن على نظرة متفائلة للحياة؛ من خلال إدراكه أن الجمال هو الغالب على هذا الكون، وأنه هو الأصل، وأن غير ذلك استثناء يكون لحكمة بالغة.. بل إنه يعلم أن هذا الاستثناء القليل دليل على غلبة الأصل الجميل، فبضدها تعرف الأشياء.
- المؤمن هو الذي يقدر الجمال حقا؛ فإنه يؤمن بواهب هذا الجمال، فيراه قيمة حقيقة أصيلة.. ويجد في ما يعتقده من الإيمان بالله تعالى وصفاته, وما يشهده في مخلوقاته وتشريعاته الحكيمة اتّساقاً وتعزيزاً لهذه القيمة.
- يتفكّر المؤمن بعقله في غاية وجود الجمال وكثرته وعظمته في الخلق، ولا بد له بذلك من شهود حكمة الرب، ثمّ يتفكّر في كثير من صور الجمال -كجمال السماء البعيدة- الذي لا تبدو له فائدة وظيفيّة، وإنما هي آيات ورسائل تهز الوجدان وتأسر الألباب {سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ}[فصلت: ٥٣].
⇐ منقول من : صفحة المُيسّر في تعزيز اليقين