الإعتراض:
يقول البعض أن العلم يثبت أن ما نرى من النّجوم هي عبارة عن مجرّات ضخمة تبعد عنّا مسافات واسعة وأنّ الشّهب الّتي نراها في الأفق حاصلة بأسباب طبيعية ليس لها علاقة بأمور غيبية. لكنّ القرآن يتحدّث عن النّجوم أنّها أحجام صغيرة متّصلة بالسّماء، زينةً لها ورجوماً للشياطين وعلاماتٍ يهتدي بها النّاس، وأنّ الشّهب لها علاقة بصعود الشياطين للسّماء، وهذا يخالف العلم ويدلّ على أنّ القرآن ليس من عند الله إنّما هو تأليف العرب.
والرّدّ على ذلك بخمسة آمور:
- لا ننكر ذكر القرآن تزيين السماء الدنيا بالأضواء والنجوم التي نراها في الليل، والتي قد ذكرها بألفاظ مختلفة كالمصابيح والنجوم والكواكب، لكنّه لم يبيّن صفة تلك الكواكب والمصابيح، أمُتّصلة بالسّماء أم سابحة في الفضاء؟ أهي ثابتةٌ أم متحرّكة؟ أصغيرةٌ أم كبيرة؟ فهذا مسكوتٌ عنه في القرآن الكريم.
واستعمال لفظ الزّينة لا يدلّ على الالتصاق لغةً.
ووصفها أنّها زينة للسّماء وأنّها علامات على الطريق والمسارات يكون باعتبار النّاظر الذي هو المخاطب في القرآن، ولا أحد من النّاس أو من علماء الفلك ينكر أنّ النّجوم تزيّن السّماء.
- لم يذكر القرآن رجم الشّياطين إلّا بلفظ الشّهب، وهو شعلة من نار، وليس في ذلك إشارة أنّ الرّجم يكون بالكواكب والنّجوم، “إلّا من استرق السّمع فأتبعه شهابٌ مبين”.
وقد تنبّه عدد من المفسّرين قديماً أنّ رجم الشّياطين لا يكون بالنّجوم والكواكب، وإنّما بشُهب من نار، واختلافهم كان بعد ذلك في تحديد علاقة تلك الشّهب بالكواكب.
فمنهم من جزم أنها منها كالزّمخشري، ومنهم من جزم بأنها ليست جزءاً منها كابن حزم والرّازي، ومنهم من تردد في الأمر كابن كثير، وهذا الاختلاف يدلّ دلالةً صريحةً أنّ تفسير الشُّهب بالنّجوم والكواكب لم يكن وارداً عند المفسّرين، فلماذا يلزمنا المعترضون معنىً لم يقل به علماؤنا؟!
- لم يحصر القرآن أسباب الشّهب برجم الشّياطين، ومعنى هذا أنّ ما نراه في السّماء قد يكون بعضها رجماً للشّياطين، وقد يكون بعضها ناتجاً عن سبب طبيعي عاديّ لا علاقة له بالشّياطين.
- على التّسليم بأنّ كلّ شهاب يُرى في السماء هو رجم للشّياطين، فلا يشكُل ذلك على التّصوّر الإسلامي للشّهب، لأنّ هناك فرق بين البحث في السبب الطبيعي للشّيء وبين السّبب الغيبي، ولا تعارض بين الأمرين، فقد يكون للحدث الواحد سببين؛ طبيعيٌّ ظاهر، وغيبيّ لا نعلم عنه شيء، وهذا غير ممتنع عقلاً.
والمشكل المنهجي عند المعترضين على الأديان أنهم يعتقدون أنّ هناك تعارضاً بين السبب الطبيعي والسبب الغيبي، وهذا باطل، فلا يوجد في العقل والواقع ما يمنع أن يكون للشيء الواحد أسباب متعددة، معرفتنا ووقوفنا على أحدها لا ينفي وجود الآخر.
- عالم الجنّ من الغيب، ومصدر علمنا اليقيني بالغيب هو الخبر الصّادق، فلا نعلم تفاصيل رجم الشّياطين بالشّهب، ولا يجوز لنا الخوض فيها، ولا يصحّ أن ينسب للإسلام منها شيء إلّا بدليل ظاهرٍ بيّن.