تعزيز اليقين

مقاصد حد القذف

بسم الله ، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد :

الكلام عن المقاصد والحِكم كلام يحرك العقول ويرضي القلوب ، ويجعل الغاية مقصودة لأنه يعرف بقرارة نفسه فطرة وعقلا أنه لا يوجد حادث عبثي ولا تشريع فوضوي ، فمنذ بداية مراحل الإنسان الأولية يسأل عن الغايات والحكم والمقاصد ، ثم يتوسع كلما كبر حتى يتكمل له تصور الحياة والغاية منها ، ويدرك الدين وغايته ومقاصده .

وحديثنا عن المقاصد يجرنا إلى الحديث عن الدين ، ولكن سنأخذ زاوية منه وهي الحدود فالكثير يرى أن الحدود هي عقوبات وكفى؛ ثم يتوقف عن البحث وراء تلك الحدود ، ولماذا لا تكون بغير هذه الصورة ، فنقول خالق الإنسان أعلم بما يصلح حاله ومجتمعه ، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

ونذكر من الحدود : حد القذف.

وهي عقوبة مقدرة شرعاً تطال الجسم بإيلامه بالجَلد وتطال النفس برَدّ الشهادة ، وذلك للضرر البالغ الذي يتسبب به القذف للمجتمع.

واصطلاحاً : هي رمي القاذف بصريح الزنا وما يجري مجرى القذف ( كنفي النسب ).

وقد اتفق الفقهاء على القذف بصريح الزنا موجب للحد واختلفوا في التعريض ؛ فذهب مالك إلى أنه كالصريح.

والقذف محرم بالكتاب والسنة والإجماع وهو كبيرة من كبائر الذنوب.

والقاذف إذا ثبت عليه فإنه يعاقب بثلاث إذا لم يأتِ ببينة :

  • يجلد ثمانين جَلدة.

  • ترد شهادته أبداً.

  • يكون فاسقاً ؛ ليس بعدل عند الله ولا عند الناس.

وهي عقوبات تجمع بين الألم الجسدي والألم المعنوي للقاذف.

فلماذا شرع حد القذف ؟ سنستعرض الحكم والمقاصد من ذلك فنقول :

  • أولاً : لحفظ الأعراض وصيانتها من الاتهامات الباطلة والتصريحات الفاحشة ، وصيانة المجتمع من رمي الكلام بلا دليل.
  • ثانياً : حماية المجتمع من مفسدة إشاعة الفاحشة ، فإذا ألغي الحدّ ولم يوجد ؛سهل على الكاذبين رمي الاتهامات بالفاحشة ؛ فيكثر الكلام ويهون على مرتكب الفاحشة التساهل بها وكأنها أمر عادي أو متفشي بالمجتمع وأن الكل يتكلم ويسمع ويرى ، فيهون عليهم ارتكاب الفاحشة، ففيها سد للذرائع.
  • ثالثاً : تقويم السلوك الفردي والجماعي : فعقوبة القذف توجد جواً عاماً يدعو إلى الكلمة الطيبة وحسن الظن بالناس والبُعد عن الكلام الفاحش ، ورفض اللمز في أعراض الناس.
  • رابعاً : حماية الأبرياء من الرمي بالباطل ومنع الرمي بالظن ، وأهل الفواحش يحبون نشر الفاحشة في الذين آمنوا فلولا وجود الحدود لتحقق لهم ما يريدون {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} النور ١٩
  • خامساً : في عقوبة القذف حفظ للنسل ؛ إذ شيوع الاتهامات بالزنا يسهل الوقوع فيه ، وفي عقوبة القذف كذلك : حماية للأسرة وجبر لخاطر المقذوف.
  • سادساً : في تشريع اللعان (وهو قذف الزوج لزوجته) رفع للحرج عن الأزواج الذين يريدون إثبات الزنا على زوجاتهم إن وقعن في الفاحشة.
  • سابعاً : في الأيمان الكثيرة في اللعان قصد للستر على الزوجة ، وللزوج أن يطلقها بعد ذلك إذا لم يردها زوجة له.
  • ثامناً : في اللعان تحقيق لمقصد نفي النسب للولد وتطهير الفراش.
  • تاسعاً : في تشريع اللعان حفظ للأعراض ، وزجر لبعض الزوجات اللواتي قد يستغللن اشتراط الشهود لإثبات حد الزنا.

هذا والله أعلم وأحكم ، {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأحكام .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى