عرض ونقد

مناقشة دعوى: صعوبة الأحكام الشرعيّة وتعقيدها.

السؤال:

الأحكام الشرعية معقدة جدًّا، تحتاج خمس صلوات في اليوم ووضوء وصيام 16 ساعة باليوم، لماذا الإسلام هكذا ؟


الجواب :

نبدأ الإجابة مستعينين بالله عز وجل.

سيكون الجواب إجمالًا حول هذه النقاط الرئيسية:

  1. بيان أن الإسلام والشريعة سمحة جاءت لرفع الحرج والمشقة.
  2. إزالة التوهم بأن الفرائض تحتاج إلى وقت كبير لأدائها.
  3. بناء التصور الصحيح عن طبيعة وجودنا في الدنيا والغاية من خلقنا ومقاصد التكليف.
  4. تصحيح الصورة الخاطئة عن التكاليف والأحكام الشرعية وبيان أن فيها الراحة والسعادة وصلاح العباد في الدنيا والآخرة.
  5. وأخيرًا الدعوة إلى التسليم والثقة في الله سبحانه وعدله وحكمته ورحمته.

وهذا التفصيل :

  • أولًا: إذا كان المقصود من التعقيد الصعوبة والمشقة فهنا نقول:

إن الشريعة أصلًا جاءت برفع الحرج، حتى غدت هذه قاعدة كلية من كلياتها، تحتها من الشواهد والفروع ما لا ينحصر، فالله سبحانه وتعالى شرع التكاليف وفق ما تقضيه صفاته العليا؛ وهو أعلم بما هو في مقدورنا، ومن كمال رحمته جعل -سبحانه- مدار الشريعة على التيسير ورفع الحرج, ومن أدلة هذا ما جاء في النصوص الشرعية، كما قال سبحانه وتعالى “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة” ، وقال تعالى : “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ“، فقال الله سبحانه كما جاء في الحديث الصحيح: “قد فعلت” , وحرّمت الشريعة الافتراء على الله بتحليل الحرام والتضييق على الناس في المباح.

فالله يحب التيسير على عباده، ورفع عنهم الحرج والمشقة، وما قد يقع من قدر من الصعوبة في التكاليف فهو في مقدور البشر لا يخرج عن طاقتهم, وهذا متيقن أيضًا من الواقع، فنحن نجد أن المسلمين قادرون على امتثال العبادات والفرائض, حتى غير المكلف منهم كالطفل الصغير يستطيع الصيام والصلاة والحج.

وأغلب البشر قادرون على امتثال أوامر التشريع بل وبحب وتلذذ، ومن يقع في الحرج نادر جدا, والشريعة قامت بمراعاة ظروف هؤلاء, ومما يظهر هذا تشريع الرخص، فإذا وقع ببعض العباد مانعٌ أو عذر كمرض أو نحوه, شُرع لهم من الترخص ما ييسر عليهم ويرفع عنهم الحرج، بل وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ” ، ومعلوم أن من قواعد الشريعة “المشقة تجلب التيسير”، و”مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ” .

والأمثلة على ذلك كثيرة، منها أن المسلم إذا كان عاجزا عن استعمال الماء لمرض أو نحوه أباح له الاسلام التيمم، وإن كان مريضًا ولم يستطع أن يصلي قائمًا صلى قاعدًا، وإن لم يستطع صلى مضطجعًا، وإن لم يستطع أومأ برأسه. ومن مظاهر التيسير فى الصلاة أيضًا قصر الصلاة وجمعها في السفر، وأيضًا الجمع عند وجود عذر كبرد أو مطر، وغير ذلك من أمثلة. وإتيان الشريعة بهذه الرخص عند وقوع الحرج والمشقة دلالة على أن الشريعة ليس فيها تعقيد وأنها في مقدور العبد وطاقته.

وعند مقارنة شريعة الإسلام بغيره من الشرائع, تجد أن شرائع الأمم الماضية كانت أشدّ من تكاليف الإسلام كما قال تعالى : “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ …” إلى قوله : “وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ“. ولن تجد شرعًا حنيفيًا سمحًا كالإسلام.

إذن الشريعة في عمومها ليس فيها حرج وإنما هي الحنيفية السمحة، وأن الله سبحانه تفضل على عباده بالرخص والتيسير جل علاه، ويغفر لهم خطأهم ويتجاوز عن زلاتهم.

  • ثانيًّا: إذا كان السائل يقصد بسؤاله أن الفرائض الشرعية تحتاج إلى وقت طويل وتفرغ كبير في اليوم فنقول :
  1.  الأحكام الشرعية منها ما هو فرض، ومنها ما هو مستحب، والإلزام يكون بالفرائض فقط ، فلا يصح إطلاق السؤال بالتعميم على كل الأحكام الشرعية, وكأن الفرد على المستوى الشخصي مطالب بكل تفاصيل الشريعة وأحكامها وكل ما فيها على وجه الإلزام.
  2. كما أن أوامر الشريعة تنقسم إلى: أوامر مؤقتة، وأوامر غير مؤقتة (مطلقة), وهذه المطلقة هي جمهور الشريعة، والتأقيت لا يجاوز أربع عبادات، إحداهن تؤدى مرة واحدة في العمر, وهي الحج، واثنتان مرة واحدة كل عام, وهي الصوم والزكاة لمن وجبت عليه، وواحدة هي التي تؤدى خمس مرات كل يوم، في أوقات موسعة لا تضيق بالعبد، فلكل صلاة وقت موسع يكفيها ويكفي غيرها.
  3.  ولا يصحّ أنّ هذه الفرائض (العبادات) الواجبة على الفرد تحتاج إلى أوقات كبيرة، بل هى مقيدة بأوقات معينة:
    فالصلوات الخمس أوقاتها معروفة، وغير ملزم فيها بالتطويل وخاصة أوقات النهار، والتطويل المسنون يكون في صلاة الليل حيث لا عمل ولا ارتباط وفيما هو نافلة. والصيام شهر في السنة، ولا يكون معه تفرغ وانقطاع عن الدنيا، بل تمارس حياتك كلها أثناء الصيام من عمل وغيره بشكل طبيعي واعتيادي. والحج مرة في العمر، فأين الوقت الطويل المطلوب في العبادات بما يجعله تعقيدًا ومشقة ؟!!
  4.  ومما يدل على أن التكاليف الشرعية لا تستقطع عددًا كبيرًا من الساعات في عمر الإنسان, أنّ الإسلام حث على العمل والعلم والإنجاز والنهضة والإصلاح والتأثير في المجتمعات، بل وقُدّم المصلح على الصالح, والعالم على الزاهد، والأدلة التي تثبت ذلك كثيرة معلومة !
  • ثالثًا: إذا كان السائل يعني بالتعقيد التنويع والتعدد (صلاة وصيام وحج …)

فالتنويع أمر تميل له النفس البشرية بعكس الروتين الذي سرعان ما تفرّ منه ! فبدلًا من أن تتعبد لله سبحانه بصورة واحدة، جعل الله لك عبادات متنوعة تجد فيها سعادة قلبك.

  • رابعًا: وبالتأمل نجد أن من أهم أسباب هذا الإشكال عدم فهم سبب الوجود في هذه الحياة، وفهم ذلك يجعل الإنسان يتفهّم ويسلّم بهذه التكاليف ويرضى بها.

 فبعد إثبات عدم وجود أي حرج ومشقة في التكاليف يظل هناك من يستشكل ويعترض على مجرد الالتزام بالعبادة في أوقات معينة وصور معينة وإن كانت في قدرة الشخص ولا تسبب له ضررًا أو غيره، فهذا شخص نظرته عن الحياة مختزلة في العيش بدون التزام بأي تكاليف دينية، وهذا غائب عنه الغاية التى خُلق من أجلها، فالإنسان قد خلق لأجل العبادة، وهذه العبادة قد يكون فيها قدر من جهاد النفس مما هو في مقدور العبد وطاقته، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ” ، فبهذه التكاليف يتميز الصادق من الخبيث والمطيع من العاصي, كما قال تعالى: “ليميز الله الخبيث من الطيب” ، فكيف نميز المؤمن الصادق من غيره؟ فإن لم توجد أوامر شرعية لابد فيها من مجاهدة النفس وبذل الوسع فلن يتميّز المؤمن الصادق من الكافر والمنافق!

ونحن البشر نقبل في الدنيا أن يجتهد الطالب ويبذل ويتعب قبل اختباره لينجح ويفوز، ونرى في هذا تمام العدل، ولا نطلب أن يتحقق النجاح للجميع بدون تكليف وتعب ! ونرفض أن يعيش الناس دون التزام ومهام ، ونقبل أن تكون البلايا والرزايا والضياع هي مآلات الركون للكسل.
وفي الدنيا لا يتساوى المجتهد والمطيع بالمقصر والعاصي عند أرباب العمل، فتجدهم يقربون هذا ويبعدون ذاك، فكيف يتساوى عند الله العدل جل علاه المحسن والمسيء ؟
فأنت وافقت على المبدأ بالنسبة للحياة الدنيا، وتتعب وتجتهد فيها لأجل تحصيل منافعها ولأجل استقامة حياتك فيها ! فالآخرة أولى وأحق.

والإشكال هو في جعل الدنيا وملذاتها هي الغاية واستصعاب أي شيء لا يجر نفعًا دنيويًّا، وهنا لابد من أن نتحول من مركزية الإنسان والدنيا إلى مركزية الدين والعبودية لله سبحانه في نفوسنا وحياتنا, وأن يكون هذا هو الأساس في حياتنا وخلقنا وأهدافنا.
فلا ينبغي أن يغيب عنك أنك في هذه الدنيا للابتلاء والاختبار، وستنتقل قريبًا إلى دارك الأخرى، ولها يجب أن تجتهد وتعمل.
ومن هذه النقطة يتضح أن تعليق التحسين والتقبيح بمجرد المشقة لا يستقيم عقلًا ولا شرعًا، ولا يطبقه الفرد في واقعه، فالمشقة للنجاح في الاختبار وتحصيل المال ليست مذمومة عنده؛ إذن العبرة في مقاصد هذه الأمور وأسبابها وآثارها.

  • خامسًا: ومن منابع هذا الإشكال أيضًا: التصور الخاطئ عن التكاليف.

فهذه الشرائع المفروضة علينا لها مقاصد وغايات، فهي ليست أعباء يحمل المسلم همّ أدائها, بل إنّ من غاياتها الراحة من عناء التعب والكد اللذين يلاقيهما الإنسان أثناء يومه، وإلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عن الصلاة: “أرحنا بها يا بلال” ! وليس (منها) !!
فإن كنت تريد تنعيم الجسد فإن السعادة لا تُدرك بمجرد ذلك، لكنه سبحانه أرشدك إلى سعادة روحك، والتي بنعيمها تسعد في الدنيا والأخرى، وفي سعادتها لذة لا توصف حتى في الدنيا، كما قال تعالى: “منْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” .

فأنت عندما تتصور أن هذه التكاليف مجرد ممارسات أو أعباء أو عادات أو مهام وظيفية شكلية مفروضة على المسلم ليس لها أي بعد روحي أو قلبي فهذا تصور مادي خاطئ، والتصور الصحيح لها أنها تكاليف ألزم الشارع بها المسلم, ولها عدّة مقاصد وغايات، أهمها الارتقاء والسمو الروحي والأخلاقي لدى الإنسان ، فالصلاة صلة مع الله، والله حبيب المسلم، وما أسعد هذا المسلم بهذا الاتصال مع الخالق المحبوب، وكذا في الصيام والحج وسائر العبادات, يجد فيها الإنسان السعادة واللذة، وهكذا كان ينظر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى تلك التكاليف، وهكذا ينبغي على كل مهتدٍ بهداهم أن ينظر.

وهذا ما يشتمل عليه كلام السلف والأئمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “إن في الدنيا لجنَّة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة “، ويقول أحد السلف: “إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب”، ويقول آخر: “لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف”، وقال آخر: “الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَإِجْلَالَهُ هُوَ غِذَاءُ الْإِنْسَانِ وَقُوتُهُ وَصَلَاحُهُ وَقِوَامُهُ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ”.

فلا تظنن أن هذه التكاليف أعباء، وإنما هي ملذات تؤديها شكرًا لربك وقيامًا بحقه عليك، وطمعًا في عظيم أجره.
ولو كلفك أحد ملوك الأرض بتكليف ووعدك عليه بضعة ملايين لشددت همتك، وطردت كسلك، وشكرته على اختيارك، فكيف بملك الملوك يطلب منك القليل من العمل مقابل حياة أبدية لا تقاس بهذه الحياة، ويعطيك جنات لم تسمع بها أذنك ولم ترها عينك ولم تخطر على قلب بشر.
فإذا عرف القلب قدر ربه وآمن به هانت عليه هذه السويعات التي يقضيها في عبادته لخالقه، وصارت راحة وأُنسًا لا كلفة، لذا تجد الملائكة -لأنها تعرف قدر ربها أكثر من البشر- فيهم من يركع ويسجد لله سبحانه منذ خلقه، فإذا قامت الساعة قال: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

  • سادسًا: وبخلاف السعادة والراحة، العبادات لها نفع ومقاصد تصلح حال العبد وتزكيه،

فلا بد من استحضار أن هذه التشريعات لا تزيد الله عزًّا بالامتثال إليها، ولا تضر الله شيئًا بمخالفتها، وإنما يعود نفعها وضررها على العباد؛ والله شرعها واختارها بما يزيد العبد هدى وزكاة وصلاحًا، فلكل أمر مقصد شرعيّ كليّ يخدمه، ولكل أمرٍ ثمرته في تزكية نفسه حتى يكون عونًا على الأمر الآخر بل وعلى سيره إلى الله في الجملة.

فصيام (16) ساعة مثلًا -كما ذكر السائل وإن كانت غير مطّردة وليست في كل الأزمان والبلاد – هو بمثابة التدريب والتربية على مراقبة الله، وتوطين النفس على الصبر على تقواه سبحانه, مما يخرج لنا مسلمًا جلدًا لا تستذله الأهواء ولا تهلكه العجلَة، سويّ النفس مستقيم الصلاح ظاهرًا وباطنًا في سائر شؤونه. وكذا الصلاة بتنوع أوقاتها ليلًا ونهارًا؛ تعظيم لأمر الله وتقديم له على كل الأحوال.

– وهناك مقاصد في سائر الأحكام الشرعية إضافة لما ذكر في العبادات، يرغب فيها الناس و تصلح حياتهم وأحوالهم، فالإسلام لم يأمر بالعبادات التى هى أركان الإسلام فقط؛ بل بكل ما فيه مصلحة للعباد والبلاد سواء في أمر الدنيا أو الآخرة، على قدر ما تطيقه الأنفس، وكلٌّ بحسبه. فقد حث على بر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدق، والأمانة وغيرها. وهذه الأمور وإن كان فيها مشقة, إلا أنه لا تستقيم مصالح المجتمعات إلا بوجودها.

  • سابعًا: ومن مقاصد العبادة: شكر الله سبحانه على ما أنعم؛
    أليس من الأدب والمروءة وحسن الخلق شكر من تفضل عليك بنعمة ؟ أو خلّصك من نقمة ؟

فإن أحدا لو أصيب بألم شديد وفقد إحدى نعم الله عليه في صحته أو أمنه، أو مرّ بخوف شديد في وسط مهلكة في بر أو بحر، لتضرع لربه اضطرارًا ولو كان مشركًا، لأنه يعلم أنه لا يرفع الضر إلاّ الله، أليس هذا الرب الذي خلقك ورزقك وأنعم عليك بنعم لا تحصى -حتى لو فقدت عددا من النعم فإن نعمه لا تزال سابغة عليك- بحقيق أن تشكر نعمته عليك، وتؤدي حقه عليك ؟
لن يكون الأمر بهذا التعقيد إذا سلّمنا أنّ لهذا الكون ربًّا خلق الإنسان بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً, فلا يزال يرعاه ويتولاه ويدرّ له الأرزاق ويتعاهده, ويُذل له الناطق والجامد, حتى صار رجلًا سميعًا بصيرًا.
وكان الحق الواجب على هذا الإنسان أن يشكر لخالقه ويذعن له، بل ويتودد إليه بتلمس محابه ومراضيه، وأن يسكن إليه ويعلم أنّ هذه النفس لا صلاح لها ولا قرار إلا وفق ما يشرعه لها ربها وخالقها.

وأخيرًا: ثق بالله وسلّم له سبحانه وتعالى, ولتتعرّف عليه بأسمائه تعالى وصفاته وأفعاله..
فمن صفاته العدل، وبالعدل قامت السماوات والأرض، فلن يظلمك ويكلفك ما لا تطيق.
ومنها أنه الحكم والحكيم وله الحكم في هذه الأرض، وهو المَلِك، يشرّع ما يشاء من أحكام، ومنها أنه رحيم حكيم، فتشريعاته كلها متضمنة للرحمة والحكمة ولو لم يدركها المرء لقلة علمه، وكم من حكمٍ ذكرها الله في كتابه أو ذكرها رسوله عليه الصلاة والسلام في سنته لكثير من العبادات، لو اطلعت عليها لزدت بها رغبة. وكم من أجور عظيمة تربو على هذه الأعمال.

والإيمان بأن الله تعالى هو الملك وهو الحكيم والرحيم والعدل يوجب الانقياد لحكمه والاستسلام لأمره, وتدبر الأسماء والصفات والنظر في أفعاله سبحانه يوجب الخضوع لهذا الرب العظيم.

وكذلك لو نظرت بنظرة شمولية عميقة إلى شرائع الإسلام لعلمت أنّه رسالة سماويّة ومنظومة تشريع وأخلاق متكاملة ومنهج حياة شامل, نسأل الله أن ينير بصائرنا ويهدي قلوبنا.

الكاتب: الفريق العلمي بقسم الحدود والأحكام الشرعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى