عرض ونقد

استشكال في حديث { أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله … }

السؤال :

كيف أتعامل مع شخص يستدل بحديث: (أُمرت أن أُقاتل النّاس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله …) على عدم سماحة الإسلام ودعوته لقتل النّاس كلها .


الجواب :

  • أولًا :

الحديث يتحدث عن المقاتلة وليس القتل، والمقصود بالمقاتلة أن يخضع الطرف المحارب ويلقي السلم ويدخل تحت حكم الإسلام وإن لم يدخل في دين الإسلام، وقد أكدت النصوص الأخرى هذا الأمر وأن جهاد الطلب لا يقصد منه الإبادة أو الإكراه على الدخول في الدين، بل يقصد به إعلاء كلمة الله ونفي فتنة الصد عن سبيله وبسط عدل الإسلام ونشر نوره ورحمته، فهو مرتبط بمقاصد سامية وليس مجرد قهر وتسلط دنيوي.

  •  ثانيًا :

ويؤكد ما سبق أن لفظ “الناس” شرعًا ولغة يحتمل أن يُقصد به فئة معينة، ولا يقصد به العموم، كما قال -تعالى-:{ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} ، ومعلوم أن عيسى -عليه السلام- لم يكلم كل الناس، وكذلك قوله -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، ومعلوم أن الناس هنا مقصود بها الأحزاب وليس كل الناس، فاللفظ يحتمل لغويًّا إرادة الخصوص.

وقال علماء : إن المقصود بهم أهل القتال عمومًا المقصودون في جهاد الطلب، وعلى هذا يكون المقصود من {حتى يشهدوا ألا إله إلا الله …} ليس دخولهم بأعيانهم في الإسلام وإنما يُحمل على انقيادهم للإسلام إما بالإسلام أو الجزية أو صلح لفترة، فإن رفضوا فحينها يكون القتال لإخضاعهم للحق وكف فتنتهم لا لإجبار أعيانهم على اعتناق الإسلام .

يقول شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – :
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وُيُؤتُوا الزَّكَاة ) مراده : قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم ، لم يُرد قتال المعاهَدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم ) مجموع الفتاوى ” ( 19 / 20 )

وقال الإمام الصنعاني رحمه الله :
” وقيل: المراد بالحديث: المحاربون، ولفظ الناس من العموم الذي يراد به الخصوص” .

وقال آخرون من أهل العلم : أن المُراد بهم المشركين الذين لا تؤخذ منهم الجزية .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني أثناء عرضه أقوال أهل العلم في تحديد المقصود من (الناس) :
” ثالثها : أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ ” أُقَاتِلَ النَّاسَ ” أَيِ: الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ ” أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ” . انتهى (فتح الباري /ج1 )

وقد قيل : إن المراد بالناس هنا مشركو جزيرة العرب دون غيرهم، وذلك لبلوغ الحجة فيهم تمام البلوغ، حيث أنهم عاصروا الوحي ما يقرب من عشرين سنة، ورأوا آيات الله ومعجزاته وصبر الله -عز وجل- على تكذيبهم وجحودهم طوال سنين البعثة في مكة وبعدها في المدينة وحصل لهم من الأسباب والآيات والحجج والبراهين والمعجزات وتحقق نبوءة النبي ونصره عليهم ما يجعلهم استثناء ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل، وهذا أقل ما يُفعل بهم، بل من تمام حلم الله -عز وجل- وصبره عليهم أن أمهلهم طيلة هذه السنين وفتح لهم باب التوبة للدخول في الإسلام رغم ما فعلوه من محاربة دينه وإيذاء نبيه والمسلمين سنوات عديدة، وبعد كل ما فعلوه من حروب ضد أهل الدعوة، فليس في الأمر قسوة بل هو تمام الرحمة والمغفرة والعفو من الله جل علاه، أن يقبل منهم التوبة -سبحانه- ويفتح لهم باب العفو أول ما يُمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم ويكون له قوة وغلبة.

  •  ثالثًا :

ثم لابد عند الحكم في أمر ما من النظر لكل نصوصه مجتمعه وعدم أخذ نص واحدٍ في المسألة والنظر فيه وحده، وإذا نظرنا في مجموع نصوص الجهاد نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقاتل فعليًّا كل الناس، بل ورد في نصوص أخرى استثناء المعاهدين ونصوص أخرى تعطي خيار الجزية لأهل الكتاب ونصوص تحرم قتال النساء والأطفال والرهبان وغيرهم؛ إذن هذا الحديث لا يحمل على ما يتوهمه من يستشكلونه, ولو افترضنا أن فيه عموم يوهم ذلك, فيعمل في فهمه بالقواعد الأصولية المعروفة بحمل العام على الخاص، وما ذكرناه من وجود نصوص أخرى تثبت عدم قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل الناس؛ تجعل من المتعيّن حمل اللفظ على الخاص، وهذا لو افترضنا أن في النص عمومًا يوهم الشمول التام .

والله أعلم 

الكاتب: الفريق العلمي لقسم الأحكام الشرعيّة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى