السؤال:
هل يمكنكم توضيح هذا الجزء من كلام المحاضر، في محاضرة أدلة وجود الله للشيخ العجيري والذي يقول فيما معناه:
مفهوم فطرية المعرفة: ليس القصد بكون هذه المعرفة فطرية أنها حاصلة في النفس من لحظة الولادة؛ إذ الأمر كما أخبر الله تعالى في كتابه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وإنما فطريتها من جهة كونها قوة مودعة في النفس، تقتضي هذا المعنى متى ما توفرت شروط ظهور هذا المقتضي وانتفت الموانع. وإلا فقد يمنع من ظهور مقتضى الفطرة الإفساد الخارجي .
الجواب:
– المعنى أنّ المعرفة الفطرية لا تعني أنّ العلم التفصيلي موجود منذ لحظة الولادة, بل معناه أنّ الإنسان خلق وبه ما يستلزم حصول ما توجبه الفطرة شيئا فشيئاً, من الإقرار بالخالق وكماله وإخلاص العبودية له, وهذه المعاني تحصل للمولود تفصيلاتها شيئاً فشيئاً ما دامت تتوفر له البيئة التي لا تشوش عليه ويخلو في نشأته من معارض يحرفه عن فطرته, كما جاء في نفس النصّ بعدها: ” كما نبه إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه).
– يقول ابن تيمية -رحمه الله- موضحًا هذه المسألة:
(وإذا قيل: إنه ولد على فطرة الإسلام، أو خلق حنيفًا، ونحو ذلك؛ فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده؛ فإن الله تعالى يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا}، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له، وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئًا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض) “.
– ويمكن تقريب هذه الفطرية بتصويرها بالأرض الخصبة التي بُذِر فيها، فهي قابلة للإنبات في كل حين بإذن ربها، فهي محل قابل مستعد لذلك، فمتى أصابها الماء والضوء، أنبتت من كل زوج بهيج, فالأرض المبذور فيها هنا بمثابة الفطرة, جعلت في الناس الاستعداد لقبول الايمان بالله و توحيده, فإذا تَفكّر هذا الإنسان باحثاً عن الحق, تنامت تلك المقتضيات, مع ما يأتيه من هدايات الرب ونور رسالاته ووحيه, مما يزيد على أرض فطرته بهاءً وجمالاً ونوراً.
والله سبحانه يجود على عباده بألوان ممّا يذكّرهم بفطرهم وما تقتضيه, فمن الناس من يتحرك وجدانه بنظرة تأمل في الكون..
ومنهم من تحركه الظواهر الطبيعة العنيفة المخيفة..
أو المواقف الصعبة المصيرية التي ربما يكون فيها على شفا الهلاك وتنقطع معها الأسباب..
ومنهم من يحركه إحساسه بالحاجة إلى الدعاء وإشباع الروح مع إحساسه بالفقر..
ومهم من يحركه التفكّر في الأدلة العقلية
وقد بعث الله تعالى الرسل بالدعوة للفطرة والتذكير بها, وتتضمن دعوتهم كل الهدايات, وتنقطع بهم الأعذار, كما قال تعالى: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }, فالرسل يقيمون الحجّة ويزيلون ما قد يشوش على تلك الفطرة ويدفعون ما يُورَدُ على مقتضياتها, وهم رحمة للخلق لما آتاهم الله من الآيات الباهرة, فينقاد لهم البشر, إلا من أبى واستكبر وكفر والعياذ بالله.