يزعم البعض أن الإسلام ينتقص المرأة ويستدل على ذلك بما جاء من وصفها بأنّها خُلقت من ضلع أعوج ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “المرأة خُلقت من ضلع أعوج ، وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه وإن تركتَه لم يزل أعوج”(1) .
ولكنّ هذا الاعتراض مبني على سوء فهم للحديث ، على تحريف لمقصوده و غرضه وعلى قطع له من سياقه و سباقه و لحاقه ، فإن الحديث جاء في سياق الوصاية بالمرأة والاهتمام بها والدعوة إلى الحفاظ على حقوقها و طلب الرحمة بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ الحديث وأنهاه بالوصاية بالنساء، حيث يقول : “استوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خُلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه ، وإن تركتَه لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا” ، وهذا حثّ للرجال على التغاضي عما يرونه منها من غلبة العاطفة ، و دعوة لهم إلى التسامح والصفح والصبر على ما يصدر من النساء من انفعالات عاطفية .
وأمّا الإشارة إلى أن المرأة خُلقت من ضلع أعوج فإنّ الصحيح أن هذا مثَل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لإيصال المعنى وتوضيحه ، و يدلّ على ذلك الروايةُ الأخرى للحديث وفيها : “المرأة كالضلع ، إن أقمتَها كسرتها ، وإن استمتعت بها استمتعتَ بها وفيها عِوَجٌ” (2) ، ووجه التمثيل : أن الضلع عادة ما يكون الاعوجاج في أعلاه، وأعلى ما في المرأة رأسُها ، وفيه لسانُها الذي تعبّر به عن عواطفها وانفعالاتها ، فشبّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك باعوجاج أعلى الضلع ، ونبّه بهذا المثل على أن المرأة جُبِلَت على الانفعال وأنها مما يغلب عليها العواطف ، فربما تطلق ألفاظا تغلب الرجل و تخرجه عن اعتداله ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتفهّم هذا الأمر ، وأرشد إلى حُسن التعامل معه.
فالمراد بهذا التمثيل إذَن إيصال المعنى في أوضح صورة، وليس المراد منه التقليل من شأنها أو الاحتقار لها ، أو إنزال مكانتها الإنسانيّة عن مكانة الرجل .
فلو أنّ هناك قبيلة مشهورة بسرعة الغضب والانفعال، ثم قال الأمير لوالِيه أوصيك بقبيلة بني فلان خيرا ، فإنهم مشهورون بالغضب وسرعة الانفعال فتعامل معهم بلطف ، فإنّ أحدا لا يفهم من وصية الأمير هذه أنه يقلّل من شأن هذه القبيلة أو يُحقّر أمرها ، وإنما المفهوم من كلامه أنه يسعى إلى تفهم حالهم ويدعو إلى حُسن التعامل معهم.
وقد توارد كثير من علماء المسلمين على فهم ذلك لحديث على أن المقصود منه تقدير المرأة والحفاظ على حقوقها وقدرها فقد بوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث بابين ، الأول: باب المداراة مع النساء وقول النبي صلى الله عليه وسلم “إنما المرأة كالضلع”، والثاني باب “الوصاية بالنساء” (3) وبوب عليه الدارمي فقال باب “مداراة الرجل أهله” (4) وبوب عليه النسائي فقال: باب “مدارة الرجل زوجته “(5) وبوب عليه البيهقي فقال: باب “حق المرأة على الرجل” (6)، وبوب عليه ابن الأثير فقال : الفرع الثاني: “في حق المراة على الزوج”(7).
فهذه التبويبات تدل على ان كثيراً من علماء المسلمين لم يفهم الحديث تقليل من شأن المرأة أو الدعوة إلى احتقارها وإنقاص منزلتها عند الرجل، وإنما فهموا الدعوة إلى احترامها وتقدير ما جبلت عليه والحث على إعطاءها حقها الذي يتناسب مع طبيعتها.
المراجع :
1. أخرجه البخاري، رقم (3331)، ومسلم، رقم (1468).
2. أرجه البخاري، رقم (5184).
3. انظر : الجامع الصحيح، البخاري، (6/422).
4. سنن الدارمي (2/198).
5. سنن النسائي (5/364).
6. سنن البيهقي (7/295).
7. جامع الأصول (6/503).