تعزيز اليقين

محاسن الإسلام فيما اتهم به الإسلام ‘’ القصاص’’

بسم الله والصلاه والسلام على رسول الله …

وبعد،،،

أنزل الله الرسالة الخاتمة على نبيه محمد صلّى اللّٰه عليه وسلم للنّاس كافّةً (عربَهم وعجمهم .. شريفهم وضعيفَهم .. لحاضرِهم ومستقبلهم )،

ولذا فقدِ اشتملت هذه الرّسالة على جميع ماينظّم حياة البشر ويُصلحها، فكانت أحكام الشريعة ومقاصدُها التي إن تمسكوا بها واتّبعوها؛ فلحوا في الدنيا ونجوا في الآخرة.

ولكن أعداءُ الإسلام ما يفتأون يطعنون في أحكامِ الشّريعة ويلقون الشّبهة تلوَ الشبهة ليلبِسوا على المسلمينَ دينهم وليصمُّوا آذان غير المسلمين عن تلَقِّي الحقّ وقبوله .

وها هم يضعون أحكام الإسلام في قفص الاتّهام. هذه المرّة اتهموه بأنه الدينُ الأكثر وحشيّة، الذي يهدر حقوق الإنسان ويدعو لإزهاق النّفس البشرية عن طريق القِصاص.

  • أولًا: أيّةُ حقوق إنسانٍ تلك التي يتشدّقون بالحديث عنها!؟، وتاريخُهم من الماضي إلى الحاضر حافلٌ بإهدار حقوق الإنسان على اختلاف دياناتهم وتوجّهاتهِم. هم يمنعون قتلَ نفس واحدة قِصاصًا، ولا يتورّعون عن قتل مايقارب المائة وخمسين ألف نفسٍ – مابين رجال ونساءٍ وأطفال لاذنب لهم – بضغطة زرٍّ واحدة تسقط قنبلةٌ ذرية فتاكة يستمر فتكُها بالبشر لحظةَ سقوطها ولسنوات عديدةٍ متوالية.
    (هل كان هؤلاء بلا حقوقِ إنسان؟)

أمثلة التّعدي على حقوق الإنسان عديدة ولا يسع المجالُ هنا لذكرها، ومن أراد الغوص في هذه المسألة فسوف تهوله القصص والروايات المرعبة.

  • ثانيًا: إنّ من مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على”الضرورات الخمس”للإنسان، وهي: (الدين – النفس – العقل – العِرض – المال) ليعيش الإنسان في هذه الحياه تحت ظلّ الشريعة آمنًا مطمئنًا يعمل لدنياهُ وآخرتِه، وسط مجتمعٍ منضبط يشد بعضُه بعضًا.

ولذا كان المِساس بأيّ عنصر من عناصر الضرورات الخمس يستوجب أشدَّ العقوبة على مرتكبِه.

ومن هذه الضرورات التي نصّ الشّرع بالحفاظ عليها (النفس) فنجد آياتٍ عظيمةً في كتاب الله وفي سنّة رسوله صلى اللّٰه عليه وسلم تُعظِّم من بشاعة جريمة قتل النفس وتتوعّد مرتكبَها بأشد العقوبات في الدنيا والآخرة.

ومن هذا، الآية رقم ٣٢ من سورة المائدة:
{مِنْ أَجْلِ ذَٰلِك كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّه مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }﴿٣٢﴾

هذه الآية جاءت في سياق أوّل جريمةِ قتل على وجه الأرض، حيث قَتل قابيل بن آدم عليه السلام أخاهُ هابيل حِقدًا وحسدًا.

وقد فسّر العلماء قول الله عز وجل “من أجل ذلك” أنه:

من أجل وجود أُناسٍ مسالمين لايريدون شرًا ولا عدوانًا، وكذلك من أجل وجود أُناس طُبعت جِبلّتهم على الشرِّ والعُدوان وتجذّرت في نفوسهم فلا تصلح معهم المسالمة والنُّصح.

من أجل هؤلاء وهؤلاء جعلنا جريمة قتل نفسٍ واحدة كأنّها قتل للناس جميعًا، وجعلنا كذلك العمل على استحياء نفس واحدة ودفعِ القتل عنها عملًا عظيمًا يعدُل إنقاذ الناس جميعًا.

ولكن من اليسير لنا أن نفهم معنى الاستحياء أنّه منعُ قتل النفس والدفاع عنها، فماذا لو تمّ قتل هذه النفس فعلًا؟!، فكيف يكون هذا الاستحياء؟

( إنه القِصاص )

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} – سورة البقرة ﴿١٧٩﴾

  • ما هو معنى القِصاص ؟

معنى القِصاص شرعًا: أن يتلقّى المجرم عقابه بمثل ما فعل، فيُقتل القاتل .. وهكذا.
إذن أيّة حياةٍ تلك التي تتحدث عنها الآية الكريمة؟ كيف تجتمع الحياة مع القتل؟

هي حياة بالفعل، من عدة وجوه:

حياة لأولياء دم القتيل، فتُشفى صدورهم من الحقد والرّغبة في الثأر، حيث تسيل الدماء على مذابح الأحقاد العائلية جيلًا بعد جيل ولا تكفُّ عن السّيل حتى يروا عقاب القاتل.

حياه للمجتمع، الذي سيعيش آمنًا مطمئنًّا في ظلّ وجود عقوبة تمنع مرضى القلوب من العبث بأرواح النّاس، وتعاقبُهم أشدّ العقوبة إذا طوّعت لهم أنفسهم قتلَ النفس التي حرَّمها الله.

بل هي حياة للجاني نفسه.. كيف؟؟
لأنّ الجاني إذا أيقن أنه سيدفع حياتَه ثمنًا لحياة مَن يفكّر بقتله فيمنعه ذلك من ارتكاب جريمته، فقد أنقذ حياته هو ابتداءً، ولكن إذا تغلّب عليه شيطانه وارتكب جريمته ثم تاب وأُقيم عليه حدّ القِصاص كان ذلك كفارةً لذنبه – على الراجح من أقوال أهل العلم – ولن يُعاقب عليه في الآخرة.

فالتّحقيق في هذه المسألة أنّ القاتل تتعلق به ثلاثة حقوق:

“حقّ اللّٰه – حقّ المظلوم المقتول – حقّ وليِّ الدم”

فإذا تاب القاتل وسَلم نفسه طواعيةً إلى وليّ الدم نادمًا على فعله وتائبًا للّٰه توبةً نصوحًا؛ فبذلك يسقط حق اللّٰه. ويسقط كذلك حقّ وليّ الدم إما بأخذ القِصاص أو بالعفو مع الدّيَّة.

ويرى الشافعية أنه إذا عفا أولياء المقتول وجب على القاتل الديّة والكفّارة “صيام شهرين متتابعين” لأن الكفارة شُرِعت في القتل الخطأ فهي في القتل العمد أولى.

ويتبقى حقّ المقتول الذي ظُلم، هنا يعوّض الله هذا المظلوم يوم القيامة إما بأن يأخذَ له من حسنات القاتل، وإمّا أن يعطيَه اللّٰه من فضله وكرمه ما يرضيه عِوضًا عن مظلمته، فلا يسقط حقّ المظلوم ولا تبطُل توبة التّائب.

  • ثالثًا: إنّ دين الإسلام هو دين الحياة ودين السّلام ودين التّعايش بين البشر، فعلى الرَّغم من اعتبار الشرع جريمةَ قتل النفس كبيرةً من الكبائر تَلي الشّرك باللّٰه – لأن الله هو واهب الحياة وليس لأحد سواه أن يسلبها إلا بإذنه – على الرغم من ذلك فقد أعطى الله لولي الدم الحرية في التصرّف مع القاتل إما بالقِصاص أو بالعفو مع الدية:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } – سورة البقرة ﴿١٧٨﴾

وهنا نلحظ روعة الإسلام وجمال التشريع الحنيف.
من المعلوم أن الغضب للدّم فطرة وطبيعة في الإنسان، فيستجيب الشرع لهذه الفطرة بتقرير شريعة القِصاص، لأن العدل النّافذ هو الذي يهدِّئ النفوس ويكبح جماحها، ولكن في ذات الوقت فإن الإسلام يحبّ العفو ويفتح له الطريق، فتكونُ الدّعوة للعفو مع أخذ الدية دعوةً للسموّ الأخلاقي، وليست فرضًا يكبت فطرة الإنسان ويحمّلها مالا تطيق، فيشعر وليُّ الدّم بأنه ليس مُرغمًا على الصفح فتهيج نفسُه وتندفع نحو الغلو والجموح. ولكنه مُخير إما يقتص أو يعفو.

وبالنظر للآية الكريمة فقد ذكر اللّٰه كلمة (أخيه) التي توحي بالعطف وتؤكّد على أن القتل مع بشاعته لا ينبغي أن يقطع أخوّة الإيمان، فيُطالَب وليّ الدم إذا قَبل الدية أن يطلبَها بالمعروف وبلا عنف، ويُطالَب كذلك القاتل التائب عن جريمته أن يؤدي الدية بإحسان وبلا مماطلة ولا بخس.

أيُّ تشريع هذا الذي يحافظ على أهمِّ حقّ من حقوق الإنسان-حياته-، فيحافظ عليها من العبث بها، فيُشرِع القِصاص من الجاني وفي ذات الوقت يدعو للعفو عنه مع طيب النفس.

( إنه الإسلام )

أمّا من وضعوا شرع اللّٰه وحُكمه بالقِصاص في قفص الاتهام، تُراهم ماذا قدّموا كبديل؟

لقد تبارت الدّول الغربيّة في إلغاء عقوبة الإعدام بحجة عدم التّعدي على النفس البشريّة، وتسابقت المنظَّمات والدّول للتخلصَ من هذه العقوبة، بل وأدانوا من لايزال يطبّقها في بلاده.

إنّ كل هذا الحراك والضجيج حول إلغاء هذه العقوبة إنما يدخل ضمن مشروعِ مركزيّة الإنسان وإلغاء مركزية خالقِ هذا الإنسان والكون من حوله، فيقرّون أنه لا يجب أبدًا المساس بحريّة وحياةِ هذا الإنسان حتى لو تسبب في إنهاء حياة غيره، ذلك يحدث في نفس الوقت الذي لا تجد هذه الدول والمنظماتُ غضاضةً تجاه حالات الانتحار في بلادهم، لنفس السّبب، ألا وهو حرية الإنسان، فكلّ إنسان في عالمهم له الحرية المطلقة في حياته سواء بالاستمرار بها أو بوضع النّهاية لها.

ولْنأخذ تجربةً واقعيّة من إحدى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، وهي روسيا:
لما استشعَر القتلة والمجرمون أنهم في مأمن من المساس بحياتهم أسفر ذلك عن جرائم قتلٍ كبيرة، أشهرها قصّة السفاح (ميخائيل بوبكوف) الذي أنهى حياةَ مايقارب ٧٠ شخصًا، معظمهم من النساء، وبعد اكتشاف أمره والقبض عليه حُكِم عليه بالسجن مدى الحياة -وهو زوج، وأبٌ لشابّة في الثلاثين من عمرها وقت صدور الحكم – ولنا أن نتساءل ونصرخ في وجه مدّعي حقوق الإنسان، كيف لعائلات الضّحايا أن تهدأ ثورة الغضب والانتقام داخلهم وهذا المجرم حيٌّ يأكل ويشرب ويمارس الرياضة داخل سجنه، ولربما استطاع بأيّة وسيلةٍ الهروبَ من السجن!، ألا يدعوهم هذا الحِنق والغضب العارم أن يعمدوا إلى زوجته وابنته وأولادها – إن وجدوا – فيقتلوهم شر قتلة؟، ونكونُ بحفاظنا على حياة هذا المجرم أهدرنا حياة أشخاص آخرين لا ذنب لهم، وقد يمتدّ الانتقام والدم لأجيال وأجيال؟.
(هلا رأيتم كيف أن في القِصاص حياة!، ولكن لا يعلمُ هذا إلا أولو الألباب).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

الكاتب: نيڤين جلال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى