عرض ونقد

المواقف الدينية من الإيمان بالله

المذهب الألوهي: 

  • قوام المذهب الألوهي:

يقوم المذهب الألوهي على الإيمان بذات كاملة الصفات، يمتنع عقلًا ألا توجد لأن عدمها يلزم منه محالات عقلية؛ ولأن المحالات العقلية ممتنعة واقعا؛ كان وجود هذه الذات لازما، ولذلك يسمى الإله في هذا السياق في الكتابات الفلسفية والكلامية بـ«واجب الوجود».

  • المقصود بمصطلح ” المذهب الألوهي”

وإذا أطلق المذهب الألوهي في الأدبيات المعاصرة عند الجدل العقدي، قصد به ضرورة اليهودية والنصرانية والإسلام، وإن كان هو أوسع من ذلك إذ يشمل الأديان الصريحة في مذهبها التعددي.

  • خصائص الإله الذي يؤمن به أتباع المذهب الألوهي:

ومن خصائص إله المؤلهة أنه يتواصل مع خلقه، من خلال الوحي لخواص أنبيائه، أو الإلهام والكشف لأصفيائه؛ فقد خلق الخلق ولم يتركهم دون عناية. وتدور مواضيع الوحي الخاص عادة حول:

  • الغاية من الخلق،
  • والعبادة بأوجهها المختلفة،
  • والشرائع،
  • والأخلاق. 

ويختلف المؤلهة فيما بينهم في عدد من المسائل.

••═══ ༻✿༺═══ •••

المذهب الربوبي:

  • قوام المذهب الربوبي:

يقوم المذهب الربوبي على أصل الإيمان بخالق لهذا الكون، واحد وأزلي، نظم عمل الكون بقوانين آلية مستغنية عن التوجيه والتعديل؛ كحال الساعة التي يصنعها صاحبها ثم يتركها إلى نظام عملها الذاتي.

  • المصدر الذي يعتمد عليه الربوبي في معرفة الله:

والكون عند الربوبي المصدر الوحيد لمعرفة الله وصفاته؛ ولذلك فالربوبي يستغني «بالوحي العام» المتمثل في حقائق العقل ودلالات الكون الطبيعي عن «الوحي الخاص» المتنزل على الأنبياء.

  • أهم أوجه الخلاف بين المؤلهة والربوبيين:

يختلف الربوبيون عن المؤلهة أساسًا في علاقة الإله بالخلق؛ فالربوبيون ينكرون الوحي، ويعارضون الأديان، ويرون أن الإله الخالق لم يتواصل مع أحد من البشر.

  • ينكر الربوبيون وقوع المعجزات؛ فالكون آلة ضخمة تعمل بقانون لا يتعطل، ومدعي خلاف ذلك خرافي لا يعقل أو ماكر يتخذ قصص الخوارق سبيلا لخداع الناس.
  • يعتقد الربوبيون أن غاية الحياة تحقيق السعادة في هذه الدنيا، وأن على الإنسان أن يلتزم بالأخلاق التي يهديه إليها عقله، وعامة هذه الأخلاق عالمية، يدركها الإنسان في كل بيئة لأنها من صميم طبيعة الإنسان وفي متناول الإدراك العقلي .
  • يختلف الربوبيون في أمر المعاد، فمنهم من ينكر الدار الآخرة، ومنهم من يرى أن الله يبعث الناس ليجازي الطيب على ما أحسن فيه، والمفسد على ما أساء فيه.

••═══ ༻✿༺═══ •••

المذهب الإلحادي:

  • مفهوم الإلحاد لغة واصطلاحاً:

الإلحاد في اللغة العربية: «الميل جانبا»، وفي التعريف القرآني: إنكار أي حقيقة من حقائق الشرع؛ كوجود الله وصفاته ومحكم شرعه.

وفي الاصطلاح العرفي اليوم: الإلحاد هو إنكار الرب الخالق؛ إذ الكلمة الإنجليزية تبدأ بسابقة (a) قبل كلمة ( theism ) للنفي ـ كما في اليونانية ـ.

  • من أهم مقولات الإلحاد:
  • الكون مادة وطاقة وحركة عمياء،
  • وأنه أزلي (أو حادث بلا سبب، عند قلة)،
  • وأنه عالم فاسد بما فيه من شر،
  • وأن الأخلاق نسبية، فلا توجد حقائق أخلاقية تكتشف، وإنما هي قيم تُخلق على أذواق الناس،
  • وليس للحياة غاية، ونهاية الإنسان الموت، فهو من الرحم- بلا غاية ـ وإلى الموت ـ بلا حكمة.
  • أنواع الإلحاد:
  • الإلحاد القوي (strong atheism): وهو: «الإيمان أن الله غير موجود»؛ أي: أن الملحد يعلم أنه لا وجود لإله. وهذا المذهب لا يُعرف أحد من أئمة الإلحاد اليوم يتبناه؛ بل الجميع في مؤلفاتهم ينكرون تلبسهم به لأن النفي المطلق هنا متعذر ضرورة. ويذهب عدد من الملاحدة إلى عد هذا التعريف مجرد تشويه لحقيقة المعتقد الإلحادي من طرف المؤمنين بإله .

والحقيقة أن هذا التعريف هو التعريف الكلاسيكي للإلحاد كما هو في الموسوعات والمعاجم الفلسفية القديمة، كما أنه التعريف الذي عليه جماهير عوام الملاحدة في الغرب والشرق.

  • الإلحاد الضعيف: (weak atheism) وهو: «عدم الإيمان بوجود الله»؛ أي: أن الملحد يرى أن حجة المؤمن لم تقنعه حتى يؤمن بالله؛ ورغم أن كل رموز الإلحاد المعاصر ينتمون إلى هذا المذهب إلا أن خطابهم الشعبي يوحي دائما أنهم على مذهب «الإلحاد القوي».
  • كان الإلحاد حالة استثنائية ونادرة على مدى التاريخ البشري غير أنه مع ظهور تيار theothanatology الذي يدعو إلى استغناء الكون عن مبدأ تفسيري، ومعنى أصيل، وغاية نهائية، أصبح الإلحاد عقيدة لها أتباع، ومؤسسات، ومنابر.

وقد عرف هذا التيار ازدهاره الأكبر على مدى النصف الأول من القرن العشرين وبداية النصف الثاني، بعد وقوع عالم الأكاديمية في الغرب تحت سلطانه بصورة تكاد تكون كلية، وهو ما أتاح له أن يفرض رؤيته على الخطاب الإعلامي، لتستسلم له مقاليد منافذ التأثير.

مع بداية العقد السابع من القرن الماضي بدأ الخطاب المضاد للإلحاد في الظهور من جديد في عالم الأكاديمية مع كتابات الفيلسوف (ألفن بلا نتنجا) ، ثم اتسعت دائرة هذا الخطاب في أقسام الفلسفة والعلوم، وما تزال في تمدد متصل حتى كتب (مايكل شرمر) ! ـ أحد أشهر دعاة اللادينية في أمريكا ـ سنة ٢٠٠٠ إننا: لا نشهد ـ فقط ـ أن الإله لم يمت، وإنما نشهد أيضا أن الإله لم يكن أكثر حياة منه اليوم .

كان الإلحاد في السابق مرتبطا بأعلام الفلسفة في القرنين التاسع عشر والعشرين مثل (نيتشه) و(ماركس) و(راسل) ، غير أنه مع بداية القرن الحادي والعشرين، وصدور كتاب (وهم الإله) للبيولوجي (ريتشارد داوكنز) ظهر ما يعرف ب«الإلحاد الجديد»، وهو النمط الإلحادي الأكثر جاذبية اليوم، ولذلك سيكون نقدنا للإلحاد منصبا في هذا الكتاب أساسا على «الإلحاد على الجديد» ورموزه، خاصة (داوكنز) و(هاريس) و(لورنس كراوس) …

يوصف الإلحاد الجديد أنه يتميز بمجموعة من الخصائص التي يفارق بها عامة الأنماط الكلاسيكية للتيارات الإلحادية السابقة، وأهمها:

  • استدعاء العلم الطبيعي لنصرة القول باستغناء العقل عن الإله لفهم العالم.
  • الدعوة إلى إقامة الحياة كلها على أساس العلم الطبيعي.
  • الاختزالية؛ وذلك باختصار الإنسان في طبيعته المادية.
  • اللغة العدوانية تجاه الأديان؛ حتى وصف رموز هذا التيار بأنهم أكثر من ملاحدة؛ فهم كارهو الله «miso-theists».
  • عدّ الأديان مصدر القتل والفوضى والدمار في العالم.
  • عدّ التدين خطراً على المجتمع والجيل الجديد، ووجوب حماية الأطفال منه.
  • الزعم أن الإلحاد فكرة نبيلة وجب القيام للدفاع عنها، ومحاربة التدين بكل صورة ممكنة.
  • اللغة الشعبية للخطاب بعيدة في الأغلب عن الخطاب الفلسفي النخبوي لمن سبقهم من أعلام الإلحاد.
  • جهل أعلام الإلحاد الجديد بالمعارف الدينية، ولذلك قال فيهم اللاهوتي والفيلسوف (أليستر ماكجراث) إن انشغالهم بتأليف كتب في نقد الدين ألهاهم عن قراءة الكتب الدينية.

••═══ ༻✿༺═══ •••

المذهب اللاأدري :

  • مصطلح اللاأدرية :

كلمة اللاأدرية نفيٌ للمعرفة في مبنى المصطلح؛ إذ ألحق حرف ( a ) لنفي المعرفة التي هي في اليونانية  γνώσις  وقد نحت هذه الكلمة الدارويني الشهير (توماس هكسلي) الذي كان على القول إن الأمور الميتافيزيقية لا سبيل لإثباتها أو دحضها، وإن كان استعماله لمصطلح «اللاأدرية» وصفا لمنهج عدم الحسم في غياب الأدلة القاطعة، وليس بالمعنى المستعمل اليوم في شأن الحكم في أمر وجود الله.

  • اعتقاداللاأدريين وحجتهم! :

واللاأدريون يرون أنه من الممتنع القول بوجود الله أو عدمه؛ فهم يعلقون الحكم في هذا الموضوع؛ وذلك لواحد من سببين: إما لاستواء حجج الملحدين والمؤلهة، وامتناع الترجيح بينها، أو لاعتقادهم أن الإنسان غير مهيأ معرفيا لأن يجزم أو يرجح في هذا الموضوع؛ فطبيعة حدود الملكة الذهنية بعيدة عن أن تتماس مع حدود التفكير في هذا الموضوع؛ ولذلك فالحكم في هذا الباب محالٌ عقلا.

يذهب عدد من أعلام الإلحاد في القرنين الأخيرين إلى نسبة أنفسهم إلى اللاأدرية عند تحقيق طبيعة معتقدهم؛ فهم يقرون أنهم لا يعلمون إن كان الإله موجودا أم لا، لكن لاأدريتهم لا تتخذ صبغة الحياد المعرفي المطلق، وإنما تميل إلى كفة الشك في وجود الإله.

و «النتيجة العملية للاأدرية هي أن تتصرف كما لو أنه لا يوجد إله» كما يقول اللاأدري (ويليام سومرست موغام).

••═══ ༻✿༺═══ •••

مذهب الشيئية:

«الشيئية» مصطلح من الممكن ترجمته إلى الإنجليزية .somethingism ومذهب أصحابه قريب من مذهب الربوبية؛ فهم إذا سئلوا عن إيمانهم بالإله كما تعرفه الأديان، يجيبون بإنكارهم الإيمان به، وإذا سئلوا عما يؤمنون به، يقولون: نؤمن بشيء ما غير مادي لا نعرف التعبير عنه، قوة عظيمة تتجاوزنا بعظمتها. وهم بذلك أقل وضوحًا من الربوبيين في تعريف «القوة» التي يؤمنون بها؛ فالربوبيون يعلمون أنهم يتحدثون عن خالق له صفات ذاتية واضحة، وأما الشيئيون فمعرفتهم بهذه «القوة» غامضة، فهي أحيانا قريبة من معنى الرب، وأخرى قريبة من مفهوم الملائكة أو الطاقة. . .

الغربيون الذين يصدق عليهم مصطلح «الشيئيون» كثر، غير أن إحصائيات التصنيف الديني لا تشملهم في الأغلب كتوجه عقدي مخصوص. ومن الممكن إدراك الكثافة العددية لهؤلاء عند إقصائهم من دائرة الملحدين الخُلَّص؛ فقد انتهت إحصائية في أوروبا سنة ٢٠١٠ إلى أن ٨٠ من الأوروبيين يؤمنون بالله أو «بشيء من الممكن وصفه أنه روح أو قوة حياة». وفي البلاد الأكثر إلحاداـ السويد وإستونيا وجمهورية التشيك – أجاب قرابة نصف من تم استفتاؤهم أنهم يؤمنون بشيء ما يشبه القوة الروحية العليا .

••═══ ༻✿༺═══ •••

اللااكتراثية:

 اللااكتراثية موقف عملي من قضية وجود الله، وذلك بإهمال النظر فيها وفي عواقبها نظريا وسلوكيا، ومعايشة الحياة على الأرض كأنه لا يوجد إله. وهذا مذهب شائع في الغرب، وينغمس [ أصحابه غالباً] في طلب متع الدنيا.

لا يرى اللااكتراثي أهمية لسؤال الوجود الإلهي؛ لأنه لا يعتبره مركزيا في صياغة فهم الإنسان للعالم أو قيمه أو فعله. الوجود المباشر الحيني هو ما يشغل اللااكتراثي، والسؤال عن ما عداه لا معنى له في الأغلب.

واللااكتراثية درجات، منها ما هو محض الجهل بالتفسير الديني للوجود، ومنها ما هو الانشغال عن التفسير الديني بهموم الدنيا، والإغراق في تفاصيلها، ومنها ما هو نفور من التفسير دون الدخول في خصومة معه. ونظرا لطبيعة انفصال اللااكتراثين عن التفاعل الإيجابي مع الدين، يعرف بعض الملحدين واللاأدريين أنفسهم أنهم لااكتراثيون.


 

 

 

 

الكاتب: مستفاد من كتاب براهين وجود الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى