الحمدُ للهِ الرؤوفِ الرحيمِ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ المرسلينَ والذي جاءَ رحمةً للعالمينَ يضعُ عنِ الناسِ إصرَهم والأغلالَ التي كانتْ عليهم..
يتساءلُ البعضُ عنْ حقيقةِ أنَّ الابتلاءَ على قدرِ الاستطاعةِ، وإنْ كانَ الأمرُ كذلكَ فلماذا يتفاوتُ الناسُ بينَ صابرٍ وقانطٍ متسخطٍ؟
وبعدَ سؤالِ اللهِ تعالى أنْ يفرِّجَ كربَ كلِّ مكروبٍ، نبدأُ في تناولِ الجوابِ محاولينَ الإحاطةَ ببعضِ الزوايا، وسيكونُ الجوابُ -بإذنِ اللهِ تعالى‐ منْ خلالِ العناصرِ الآتيةِ:
- التكليفُ في حدودِ الاستطاعةِ.
- لماذا الصبرُ؟
- لماذا يسقطُ البعضُ؟
- السبيلُ إلى الصبرِ.
- القدرةُ على القيامِ وإنْ طالَ السقوطُ.
هذا، وما كانَ منْ توفيقٍ فمنَ اللهِ تعالى وحدَه، وما كانَ منْ زللٍ أو نسيانٍ فمنَ النفسِ والشيطانِ..
أولًا: التكليفُ في حدودِ الاستطاعةِ:
إنَّ اللهَ تعالى يعلمُ النفوسَ وطاقتَها، ومَنْ خلقَ النفسَ وجعلَ الابتلاءَ، قد عَلِمَ أنَّها على تحمُّلِه قادرةً، وقد قالَ سبحانَه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وقد وضعَ اللهُ بعضَ التكاليفِ عمَّن لا يستطيعونَها كما لا يُكلِّفُ العاجزَ بجهادٍ، وكما يُفطرُ المريضُ، فاللهُ تعالى لا يأمرُ الناسَ بُمحالٍ، ونحنُ مأمورونَ بالصبرِ، واللهُ أعلمُ بنا منْ أنفسِنا، وعلى المؤمنِ أنْ يبحثَ عنْ أسبابِ ضعفِه أمامَ الابتلاءاتِ لا عنْ إخراجِ مبررٍ لهذا الضعفِ، وسقوطُ البعضِ أمامَ الابتلاءاتِ لا يقدحُ في إمكانيةِ الصبرِ، ولو قِيلَ هذا لقيلَ أيضًا إنَّ سقوطَ البعضِ أمامَ شهواتِه يدلُّ على عدمِ إمكانيةِ الصبرِ، وبهذا قد نبررُ كثيرًا من المعاصي بلْ والجرائمَ.
ثانيًا: لماذا الصبرُ؟
نصبرُ لأنَّنا في اختبارٍ محدودةٍ مدتُه، وحسبُ عملِنا ستكونُ عاقبتُنا، وحلوُ الثمرةِ يهوِّنُ الابتلاءاتِ، لماذا؟
١- الابتلاءاتُ ستُنسى ويبقى جزاءُ الصبرِ نعيمًا مقيمًا:
تخيَّلْ طفلًا حديثَ الولادةِ يبكي ويتألمُ، ويجوعُ ولا يستطيعُ أنْ يخبرَ أمَّه إلَّا بصرخاتٍ متواصلةٍ أو متقطعةٍ، فيكبرُ بينَ أبويهِ، ويتعلمُ في مدارسَ خاصةٍ، ويصيرُ رياضيًّا، ويأتيه والدُه بأحدثِ السياراتِ كلَّ عامٍ، ثمَّ يتولى إدارةَ أملاكِ والدِه الضخمةِ، ويتزوجُ بمَنْ أرادَها، ويُرزَقُ بأطفالٍ كأنَّهُمُ اللؤلؤُ.. هلْ تظنُ هذا الرجلَ السعيدَ الغنيَّ الرياضيَّ المُعافى يبتئسُ لوجودِه في الحياةِ بسببِ آلامِهِ وهوَ رضيعٌ؟
بالطبعِ لا؛ فتلكَ آلامٌ منسيةٌ، لا يذكرُها ولنْ يفعلَ.
هلْ تعلمُ أنَّ غمسةً في الجنةِ تُنسي كلَّ شقاءٍ؟
قالَ النبيُّ ﷺ: “ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ”. رواه مسلمٌ.
فهلْ يبتئسُ الإنسانُ منَ ابتلاءاتٍ في دنيا قصيرةٍ -سبقَ تبيينُ قدرِها- وهوَ سينسى أثرَ كلِّ ما عاناه منْ غمسةٍ؟
٢- حلاوةُ الثمرةِ تجعلُ الأمرَ يستحقُّ المجاهدةَ وتحمّّلَ المشاقِّ، وكما يقولُ الشاعرُ:
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا
وَمَن يخَطَبِ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
وتأملْ هذا المثالَ الذي نشْهَدُهُ مرارًا في واقعِنا:
امرأةٌ تزوجتْ، ورُزِقتْ حملًا أتعبَها، ثمَّ ولادةً ذاقتْ فيها ما لمْ تذقْه مِن قبلُ مِنْ آلامٍ، ثمَّ مشقَّةً منْ بكاءِ الطفلِ واستيقاظِه ليلًا طلبًا للغذاءِ..
ما بالُ هذهِ المرأةِ تسعى للحملِ مرةً أخرى وثالثةً وربَّما رابعةً أو أكثرَ؟
ما الجميلُ في هذا العناءِ لِتكرِّرَه؟
إنَّها ثمرةُ الأمومةِ، ورؤيتُها لطفلِها يكبرُ، فمِنْ أجلِ ذلكَ يهونُ كلُّّ شيءٍ، وتغبِطُ مَنٍ لمْ تُرزَقِ الولدَ تلكَ الأمَّ على ما هيَ فيه، تغبطُها رغمَ أنَّها لمْ تعاني مثلَها الآلامَ، ولكنَّها تعلمُ حلاوةَ الثمرةِ..
تأملْ قولَ نبيِّنا ﷺ: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ» (صحيح الجامع ٨١٧٧)
فلكَ أنْ تتخيلَ المآلَ حينَ يغبطُ أهلُ العافيةِ أهلَ البلاءِ.. ألا إنَّ سلعةَ اللهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللهِ الجنةُ!
قالَ تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة الزمر-١٠]
الذي له ملكُ السماواتِ والأرضِ يَعِدُ بأجرٍ، بغيرِ حسابٍ، فتأملْ!
ثالثًا: لماذا يسقطُ البعضُ؟
بدايةً فإنَّنا مُختبرونَ بالابتلاءاتِ، وطالما أنَّنا في اختبارٍ فإنَّ رسوبَ البعضِ ونجاحَهم أمرٌ مُتوَقعٌ، ولا يثيرُ أمرُ الراسبينَ دهشةً، والأمرُ محضُ اختيارٍ كما يختارُ البعضُ ألَّا يصلي، وهذا لا ينفي خصوصيةَ الصبرِعلى الابتلاءاتِ، ولوْ أردْنا إيجازَ سببِ السقوطِ في فخاخِ التسخُّطِ على قضاءِ اللهِ لَقلْنا بسببينِ:
١- عدمُ وجودِ الزادِ:
فإنَّ للصبرِ سبيلًا وأسبابًا لا بدَّ أنْ نأخذَ بها، وكما أنَّ مَنْ لمْ يتدربْ بَدَنيًّا جيدًا لا يستطيعُ الصمودَ في أرضِ الملعبِ، فكذلكَ مَنْ لمْ يدرِّبْ نفسَه فلنْ يستطيعَ الصمودَ بها أمامَ الابتلاءاتِ وشتى الفتنِ، وأسبابُ الصبرِ فيها تفصيلٌ سيأتي إنْ شاءَ اللهُ.
٢- المفهومُ الخاطيءُ عنِ الصبرِ:
وهنا فخٌّ منْ فِخاخِ الشيطانِ إذْ يُوهمُ المرءَ أنَّ لوازمَ الصبرِ تقتضي ألَّا يتألمَ الإنسانُ ولا يحزنَ ولا يبكي، فإنْ فعلَ ظنَّ أنَّ اللهَ كلَّفَه بما لا يستطيعُ، ثمَّ يتلقَّفُه اليأسُ، فيلتقمُه التسخطُ على أقدارِ اللهِ تعالى، ولكنْ على المرءِ أنْ يعلمَ أنَّ الحزنَ أو البكاءَ لا ينفي الصبرَ، بلِ المطلوبُ هوَ عدمُ إبداءِ التسخطِ، واحتسابُ الأجرِ على محاولةِ تحمُّلِ الابتلاءاتِ، وقد بكى الأنبياءُ وحزنوا، قالَ تعالى حكايةً عنْ نبيِّه يعقوبَ: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}[سورة يوسف]، فها هوَ نبيُّ اللهِ يعقوبُ حَزِنَ وبكى حتى فقدَ عينيه، ولكنَّه صابرٌ يشكو إلى اللهِ حالَه.
وهذا نبيُّنا ﷺ يقولُ عندَ موتِ ابنِه إبراهيمَ: [تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يا إِبْرَاهِيمُ إنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ.](رواه مسلم)، فعيناهُ دمعتَا وحزنَ قلبُه فِداه النفسُ.
ونرى عيناه تفيضانِ -عليه الصلاة والسلام- عندَ موتِ حفيدِه:«شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ…» رواه البخاري
رابعًا: السبيلُ إلى الصبرِ:
مَنْ أرادَ الصبرَ فعليهِ بالأخذِ بأسبابِه، وقدْ قالَ سبحانَه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا باللهِ}[النحل: ١٢٧]، فعلى المؤمنِ أنْ يستعينَ بربِه في أمرِه كلِّه، وأنْ يسألَه سبحانَه العونَ على الصبرِ، وهذه قبساتٌ مِنْ خطواتٍ قدْ تعينُ على الصبرِ:
١- إدراكُ حقيقةِ الدنيا ومنزلةِ الآخرةِ، ومعرفةُ بعضِ ما أعدَّه اللهُ للصابرينَ؛ فمعرفةُ حقيقةِ الدنيا وأنَّها قصيرةٌ عابرةٌ لا تكادُ تساوي شيئًا أمامَ الخلودِ مِنْ أعظمِ ما يعينُ العبدَ على الصبرِ، وإنَّكَ قدْ تصبرُ على حالٍ بائسٍ في دنياكَ حينَ تعلمُ أنَّ الأحوالَ ستتبدلُ بسببِ نقلِ مسكنٍ أو الحصولِ على وظيفةٍ جديدةٍ، فكيفَ بإدراكِ حقيقةِ الدنيا وما أعدَّه اللهُ لأهلِ الجنةِ؟
٢- تزكيةُ النفسِ، قالَ تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}[سورة الشمس]، وتزكيةُ النفسِ تكونُ بالآتي:
أ- زيادةُ الأعمالِ الصالحةِ؛ فإنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطاعاتِ، وقدْ قالَ ﷺ: [بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ](رواه مسلم)..
فبالأعمالِ الصالحةِ يزيدُ الإيمانُ، وبزيادةِ الإيمانِ نواجهُ الفتنَ والصعوباتِ.
ب- تركُ المعاصي: فكما يزيدُ الإيمانُ بالطاعاتِ فإنَّه ينقصُ بالمعاصي، ولذلكَ علينا أنْ نسمو بأنفسِنا عنْ الذنوبِ وأنْ نبادرَ بالتوبةِ والاستغفارِ إنْ زلتْ أقدامُنا.
وحقيقةً فإنَّ حياةَ المؤمنِ محورُها التزكيةُ..
٣- التعلمُ عنِ اللهِ تعالى؛ فبمعرفتِه سبحانَه وأسمائِه وصفاتِه نزدادُ حبًا له، ونزدادُ فقهًا لأفعالِه معنا سبحانَه، ومِنْ فَقِهَ حكمةَ اللهِ وأفعالَه في كثيرٍ مِنْ أمورِنا لَهانَ عليه ما يلقاه في سبيلِ ربِّه، ولَعلِمَ أنَّ للهِ في كلِّ شيءٍ حكمةً، وأنَّ اللهَ يجزي على الصبرِ ويضاعفُ الأجرَ، وأنَّه في بعضِ المنعِ عطاءٌ، وفي بعضِ التأخيرِ الخيرُ الكثيرُ.
٤- تدبرُ القرآنِ؛ ففيه شفاءٌ لِما في الصدورِ، وفيه أخبارُ الأنبياءِ وصبرُهم، وفيه فِقْهُ تلكَ الحياةِ، وهوَ شفاءٌ لما في الصدورِ كما قالَ سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: ٥٧].
٥- البحثُ عنْ سيرِ الصالحينَ والصابرينَ سواءً مِنَ المعاصرينَ والقريبينَ منكَ أو مَنْ توفَّاهمُ اللهُ تعالى؛ ففي الاعتبارِ بقصصِ الآخرينَ وقودٌ يشعلُ حرارةَ الإيمانِ في القلبِ، وهذا الأمرُ يعرفُه كلُّ مَنْ عايشَ حياةَ هؤلاءِ.
٦- النظرُ إلى النِّعمِ، ومعرفةُ أنَّنا وإنْ ابتُلينا بأشياءَ، فإنَّ اللهَ قدْ أنعمَ علينا كثيرًا، وفِقْهُ هذا الأمرِ يعيقُهُ المقارنةُ بالآخرينَ..
لوْ خلقَ اللهُ البشرَ بأجنحةٍ إلا قلةً لا أجنحةَ لديهم ولا يستطيعونَ الطيرانَ.. ماذا سيحدثُ؟
– سيعدُّ هؤلاءِ القلةُ أنفسَهم في ابتلاءٍ، وقدْ يتسخَّطونَ مِنْ وضعِهم هذا!
فماذا لوْ كانَ البشرُ كلُّهم أصحابَ عُرْجٍ أو كانوا بعينٍ واحدةٍ؟
– لوْ كانَ هذا لَمَا نظرْنا لتلكَ الأمورِ على أنَّها ابتلاءاتٌ..
فاللهُ سبحانَه أنعمَ علينا كثيرًا، ولكننا نغفلُ عنْ تلكَ النِّعمِ كما أنَّنا ننظرُ إلى الآخرينَ..
سابعًا: البحثُ عنْ صحبةٍ صالحةٍ
قالَ تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: ٢٨]، فهذا أمرُ اللهِ لنبيِّه ﷺ، فكيفَ بنا؟
خامسًا: القدرةُ على القيامِ وإنْ طالَ السقوطُ:
كانتِ الخنساءُ مِنْ شعراءِ الجاهليةِ، وماتَ أخوها صَخْرٌ، فملأتْ مجالسَ العربِ بأشعارِ الرَّثاءِ باكيةً أخيها، واستمسكتْ بحِدادِها أعوامًا حتى أدركتِ الإسلامَ ونالها فضلٌ مِنْ ربِّها فأسلمتْ وحَسُنَ إسلامُها، ثمَّ يسجِّلُ التاريخُ صبرَها العجيبَ حينَ قُتِلَ أولادُها الأربعةُ في اليومِ نفسِهِ في القادسيةِ..
كيفَ صبرتْ على مصابِها في أولادِها الأربعةِ وهيَ التي لم تصبرْ على ما هوَ أهونُ؟
- قدْ أدركتِ الخنساءُ حقيقةَ الدنيا وأخذتْ بأسبابِ الصبرِ، فوجدتْ مِنْ نفسِها بفضلِ اللهِ عنْ المُصابِ خيرًا.
فلا ينبغي لمؤمنٍ أنْ ييأسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ أوْ أنْ ييأسَ مِنْ نفسِه أنْ تتوبَ بعدَ زيغِها أو تصبرَ بعدَ قنوطِها؛ فإنَّ اللهَ ييسِّرُ ويعينُ.
الخلاصةُ:
لا يكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وسعَها، ونحنُ في اختبارٍ، وهناكَ مَنْ سينجحُ وهناكَ مَنْ سيرسبُ، والثمرةُ تستحقُ المجاهدةَ، وعلى المؤمنِ أنْ يأخذَ بأسبابِ الصبرِ وألا يقْنَطَ مِنْ رحمةِ ربِّه ولا ييأسُ مِنْ نفسِه وإنْ طالَ تسخُّطُها، وربُّ العالمينَ توابٌ رحيمٌ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
الكاتب: علي جلال
التدقيق اللغوي: إسراء سيد
القراءة الصوتية: محمد سعيد النتشة