تعزيز اليقين

عبادة الله وحده = خلاصٌ من أعظم الظلم والكذب!

اعلم أن الناس إمّا مُقِرُّون بالخالق وكماله معترفون بهما، وإمّا لا يعترفون بِهما، ويكفيك في ردِ باطلِهم أنْ تَعْلم أن الأصل  في حقهم هو العدم، وهم لولاه باقون على الأصل، وأنْ تعلم أيضًا  أنه أولى بصفاتِ الكمالِ منهم !

والمُقِرُّون بوجودِه وكمالِه

  •  إمّا أنهم يعتقدُون افتقارهم إليه واحتياجهم له، وإمّا أنهم لا يعتقدُون ذلك، وهذا من أبطلِ الباطل؛ لأن الإقرار بوجوده ينبني على الإقرار باحتياج المخلوقات إليه؛ إذ لو لم تكن بحاجة إليه لما سبَق وجودَها عدمٌ! هذا أولاً. 
  • وثانياً: في هذا تسوية للخالق بالمخلوق، وبيانه أن يقال: إن نسبة المخلوق إلى المخلوق الآخر لا تتضمن بالضرورة العقلية توقف وجود الأول على الآخر، فكذلك نسبة المخلوق إلى الخالق في زعم هذا الصنف، وهذا عين تمثيل الخالق بالمخلوق من جهةِ علاقة المخلوق بهما!!
  • ثالثًا:  أفراد هذا الصنف كَذَبة؛ لأنهم يعلمون أن استمرار حياتهم موقوف على أمور هي من خلق الخالق سبحانه كالماء والهواء والغذاء وغيرها. 

والمعتقدون ذلك – أعني: الافتقارَ المطلق إلى الخالق – إما أنهم أظهروا هذا الافتقار في أقوالهم وأفعالهم الاختيارية (وهذا هو لب العبادة)، وإما أنهم جحدوه وكتموه، وهذا الثاني عين الكفر والاستكبار؛ ويكفيك من قبحه أنه إظهارٌ لخلاف  معتقدهم وواقع ذواتهم الحقيرة!

والمظهرون لما يطابق حقيقة ذواتهم ويتناسب معها إما أنهم خصوا الخالق وحده بهذا، وإما أنهم أشركوا غيرَه معه في الحق الذي لا يكون إلا له. والثاني هو عين الشرك القبيح المذموم؛ فإن كان الكافر قد ساوى الخالق بالمخلوق بجامع عدم الافتقار، فإن المشرك ساوى المخلوق بالخالق بجامع الافتقار، وكلاهما كاذب!

والموحدون له في هذا الحق إما أنهم ينطلقون في تحديد الكيفية التي بها يكون المخلوق مؤدياً لحق الخالق = من الخالق نفسه، وإما من المخلوق، والواجب هو الأول دون الثاني لأمور عدة منها : 

  • الأول: الرجوع إلى المخلوق هو في الحقيقة اختراع لدين وضعي ليس إلا، ومعلوم عند العقلاء أن الدين السماوي أشرف من الدين الأرضي!
  • الثاني: ليس كل أقوال الإنسان وأفعالهم الاختيارية مما يرضاها الخالق تبارك وتعالى، والإنسان المخلوق ليس بمقدوره أن يعين كل قول وفعل يرتضيه الخالق، والمفتقر المحتاج إنما يسعى إلى استرضاء من حاجته بيده، وليس هناك أعظم من حاجة الإنسان إلى ربه، وآمن طريقٍ ينتهي بسالكه إلى رضا الخالق هو ما كانت معالمه من وضع الخالق نفسه لا غيره. كيف لا والإنسان يرى خيبة بعض ظنونه في استرضاء المخلوق مثله؟!
  • الثالث: الإنسان ليس بمنأى عن المؤثرات الداخلية – كالميول والرغبات – والمؤثرات الخارجية – كالعادات والتقاليد وتنشئة الأبوين.. إلخ – ومن كان هذا حاله كيف يأمن الخضوع لمؤثر داخلي أو خارجي في صورة الخضوع للخالق سبحانه؟! 

إذا تبين هذا علمت أن كمال الإنسان في أن يكون اعتقاده مطابقا للواقع، وأقواله وأفعاله الاختيارية توائم حقيقة ذاته – أي: معبرة عن افتقاره لخالقه بالكيفية المرضية له- وبهذا يجانب الكفر الذي هو تمثيل الخالق بالمخلوق أو جحد حقه، ويجانب أيضًا الشرك الذي فيه تمثيل المخلوق بالخالق، ومعلوم أن التسوية بين الخالق والمخلوق أعظم ظلمًا وكذبًا من التسوية بين الصادق والكاذب، والمجتهد والمهمل، والأمين والخائن، والخيّر والشرير.. والظالم مستحق للعقاب بعد قيام الحجة عليه باتفاق العقلاء، وعظم العقاب بقدر ما وقع فيه من الظلم، ومعلوم أن الخالق يستحيل عليه أن يساوي بين الواقع في أعظم الظلم والكذب ممن هو غير واقع في ذلك؛ إذ التسوية بين المختلفات ظلمٌ بين، والخالق أولى بالتنزه عنه من المخلوق، فثبت إذاً وجود الجزاء المتمثل في جنة أو نار، فاختر لنفسك

{ فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِحَفيظٍ}.

الكاتب: مُهَنَّد بِنْ جَازِيْ

القراءة الصوتية: عبدالرحمن محمد

التصميم: إيمان زيدان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى